خلال الحملة التي مضى عليها أكثر من شهر حول المخالفات في المصانع ومنافذ البيع الخاصة بالمنتجات الغذائية ومصانع الإنتاج والمسالخ، ظهر عدم تكافؤ في التعاطي مع المنتجات الغذائية المُعدّة للإستهلاك كما هي كالحليب واللبن واللبنة والجبنة والماء وتلك التي تحتاج الى طهي قبل أكلِها. وأُخصّ بالذكر في هذا المقال لحوم الدواجن واللحوم الحمراء الطازجة.
الغاية من ملاحظاتي حول الموضوع هي التوضيح العِلمي الدقيق حول النتائج التي عُرِضَت بشأن لحوم الدواجن وتبيان القوانين المرعيّة الإجراء تجاه مثل هذه النتائج في الإتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة:
أولاً: إنّني أرى أنّ المشكلة تكمُن في الأساس في المواصفات القياسيّة التي وضعتها المؤسسة اللبنانيّة للمقاييس (Libnor) حول محتوى السلمونيلا والبكتيريات الأخرى في لحوم الدواجن واللحوم الحمراء الطازجة غير المفرومة والمفرومة بحيث جاءت مُغالاً بها الى درجة إستحالة المُطابقة في معظم الأحيان وخاصةً بالنسبة الى كل اللحوم المفرومة والمنزوعة العظم والتي هي أساس تحضير السجق والمقانق والهمبرغر والهوت دوغ والمرتديللا واللانشون وغيرها. وعليه كنت قد نبّهتُ الى هذا الأمر للمؤسسة ولوزارة الصناعة ولمعهد البحوث الزراعيّة ولوزارة الإقتصاد بتاريخ 22/10/2008 ناصحاً بتعديل المواصفات كي تتطابق والمعايير المعمول بها في الإتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة الأميركيّة لكن دون جدوى. وبناءً لمواصفات ليبنور، تمَّ تحديد المطابقة أو عدمها للنتائج التي تمّ الحصول عليها من المختبرات والتي كانت غير مطابقة في عدد كبير من العيّنات.
لذلك وجب تعديل المواصفات القياسيّة رقم 2006/195 كي تصبح أكثر واقعيّة وتتماشى مع مواصفات الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ثانياً: في موضوع السلمونيلا نذكّر بأنّ معالي وزير الصحة الأسبق الدكتور محمد جواد خليفة أعلن على شاشات التلفزة بأن 75% من عيّنات لحوم الدواجن في بريطانيا أظهرت أنّها إيجابيّة وبأنّ طهي لحم الدواجن ما فوق 70 درجة مئويّة يقضي على السلمونيلا، فلا داعي للخوف.
إنّ النظام الصحّي المُتّبع في الولايات المتحدة حيال السلمونيلا يُعطي الـ (FSIS) Food Safety and Inspection Service التابعة لوزارة الزراعة USDA مهمّة وضع جدول زمني لمسالخ الدواجن لتخفيف مستوى السلمونيلا تحت نظام Salmonella and Campylobacter Reduction Plan إعترافاً منها بأنّ الخلاص الكُلّي من السلمونيلا والكمبيلوباكتر ليس بالأمر السهل بل يحتاج الى مجهودات وإجراءات كبيرة قد لا تصل الى الصفر في نهاية الأمر. يتبيّن من النظام المعمول به في 2014 بأنّ النسبة المئوية المقبولة لتواجُد السلمونيلا بالدجاج الكامل هو 20% من 51 عيّنة، أمّا بلحم الدواجن المفروم فهي 44,6% من 51 عيّنة.
أمّا التدابير المتخذة بحق المؤسسات التي تزيد نسبة السلمونيلا عن المسموح به بالعيّنات المأخوذة فتُعرّض لثلاث مراحل:
الأول: تنبيه لتحسين الوضع. الثاني: مراجعة لنظام الـ HACCP المعمول به بالمؤسسة (وهو إلزاميّ منذ 2004).
الثالث: التوقف عن أخذ عيّنات جديدة وإدراج إسم المؤسسة على أنها غير مطابقة على صفحة التواصل الإجتماعي للـ FSIS، دون تحويل الأمر الى القضاء أو إقفال المؤسسة.
أمّا نظام الإتحاد الأوروبي (EUR32003R2160) حول التعاطي مع حالات السلمونيلا والبكتيريات الأخرى بالدجاج الكامل المذبوح وبالمقطعات ولحم الدجاج المفروم، يُبيّن طرق أخذ العيّنات الدقيق وكذلك المستوى المسموح به لوجود السلمونيلا (EC 2073/2005) وهو 14% من 50 عيّنة للدجاج الكامل. أمّا الـ E.Coli فهي 40% من 5 عيّنات لِلحم الدواجن المفصول ميكانيكياً (MSM/MDM) عن العظم، مع ما يرافق ذلك من تعليمات وتوصيات وأنظمة تعمل على التخفيف من نسب التلوّث.
ثالثاً: عديد من المؤسسات التي إعتُبِرت مخالفة هي حاصلة على شهادات الـ HACCP والـ ISO 22000 الخاصتَين بسلامة الغذاء، الأمر الذي يدعو الى التساؤل حول الإجراءات المطلوبة منهم للمُطابقة أكثر ممّا يعملون وهم مُطالبون من المؤسسات العالمية التي تُشرف على مؤسساتهم لتتأكد من سلامة الإجراءات التي يتخذونها وبالتالي الإبقاء على منحهم هذه الشهادات. رابعاً: يستورد لبنان 85% من غذائه.
أي أنّ لبنان يوفِّر من مصانعه ومزارعه فقط 15% من غذاء مواطنيه.
إنّ عدم المطابقة لجهة تواجُد السلمونيلا يضع المؤسسات اللبنانية المُنتجة في مأزق قد يصل الى إقفال هذه المؤسسات وبالتالي زيادة الإعتماد على الإستيراد.
والمؤسف في هذه الحالة أنّ السلطات اللبنانية غير قادرة على أخذ عيّنات طازجة من المصانع الأجنبيّة المتواجدة في البلدان الني تُصدّر الى لبنان منتجات كاملة الطهي كما فعلت مع المصانع اللبنانية وبالتالي فهي غير قادرة على معرفة مستوى التعامل مع المنتجات المُصدَّرَة الى لبنان قبل طهيها أو تصديرِها وهنا تقع مفارقة كبيرة ومُجحِفة بحق المُنتِج اللبناني.
خامساً: لا بدّ من التأكيد على أنّ معظم، إن لم يكُن كل، العيّنات المأخوذة والتي تمّ إجراء فحوصات عليها هي عيّنات من المواد التي لا يتمّ إستهلاكُها كما هي بل بعد طهيِها على درجة حرارة ما بين ماية و300 درجة مئوية، الأمر الذي يقضي على كل البكتيريات التي قد تضرّ بصحة الإنسان.
من هنا لم نشهد حالات تسمُّم شاملة وعامة تحدث. سادساً: حبّذا لو تتشدّد وزارة الإقتصاد في إلزام بيع الفروج ومقطعاته مُكيَّساً أو مُعلّباً عملاً بقرارِها رقم 18/1/أ.ت. تاريخ 22/01/2009 وتمنع بيعها سائبة دون ذكر إسم المصنع وتاريخ الإنتاج والإنتهاء.
حيث أنّ هذا الإجراء يحدّد مسؤوليّة المُنتِج عن سلامة منتجاتِهِ.
بناءً على ما سبق، وُجِبَ على كافة السلطات اللبنانيّة المَعنيّة بسلامة الغذاء النظر الى الموضوع نظرةً عِلميّة ومقاربتها مقاربة واقعيّة غير مُجحِفة بحق المُستثمِرين على قِلّتِهم في لبنان.