قد يُخيّل لمعظم اللبنانيين أنّ واحدة من أهم وسائل التهرّب الضريبي هي التهرّب من دفع الرسوم الجمركية عن المستوردات اللبنانية والتي وصل حجمها إلى عشرين مليار دولار سنوياً.
إنّ هذا الإعتقاد هو إعتقاد واهم كلياً للأسباب التالية:
1.منذ العام2000 والحكومات اللبنانية المتعاقبة توقِّع إتفاقيات تبادل تجاري حرّ مع مجموعات كالإتحاد الأوروبي ومجموعة دول اليورو متوسطية والدول العربية ممثلة بإتفاقية المنطقة العربية الحرّة، وكذلك مع دول منفردة كمصر وسوريا والأردن والكويت وغيرها. تسمح هذه الإتفاقيات باستيراد سلع منشأها هذه الدول دون دفع أي رسوم جمركية البتّة.
2.فاوض لبنان منظمة التجارة العالمية WTO للإنضمام إليها والتزم بشروطها وفي مقدمة هذه الشروط تخفيض الرسوم الجمركية على مجمل السلع المستوردة من كلدول العالم إلى ما دون الـ 5%. وبالرغم من ذلك ظلَّ لبنان عضواً مراقِباً وليس عضواً كاملاً بسبب معارضة الولايات المتحدة الأميركية التي طالبت لبنان بإلغاء الرسوم الجمركية على قِلّتها على منتجات كالسمك ولحوم الدواجن والنبيذ وغيرها.
3.بالرغم من أن معدّل الرسوم الجمركية هي دون الـ 5%، فإنّ هنالك ممارسات عديدة للتهرّب من دفعها، منها التلاعب بقيمة الفواتير المرافقة للمنتجات المستوردَة ومنها عدم التصريح الحقيقي خاصةً مع عدم تشغيل آلة الكشف Scanner في مرفأ بيروت، ومنها التهريب من سوريا، ومنها تصدير منتجات غير عربية من دول عربية كالإمارات العربية المتحدة والأردن وإعطائها شهادات منشأ عربيةتفادياً لدفع الرسوم الجمركية المفروضة عليها فيما لو وصلت إلى الموانئ اللبنانية مباشرة.
تُقدّر قيمة المستوردات من الدول الأوروبية والعربية وهي غير الخاضعة لأي رسوم جمركية بعشرة مليارات دولار سنوياً. أمّا باقي المستوردات والبالغ قيمتها عشرة مليارات دولار فهي تخضع مبدئياًلرسوم جمركية معدّلها 5%.
بناءً عليه، إنّ أقصى ما يمكن للحكومة اللبنانية جنيُهُ من المستوردات هو نصف مليار دولار سنوياً فقط لا غير. وعليه لا يتوهمنّ أحدٌ بأنّ التهرّب الضريبي عن المستوردات هو مشكلة ذات قيمة أو معنى.
من هنا يظهر جليّاَ أنّ سياسة الإنفتاح التي تمّ إعتمادها منذ عام 1992 حتى الآن هي سبب أساسي في تدمير الإقتصاد اللبناني وأنّ الحكومات المتعاقبة التي اعتمدت هذه السياسة، والتي هي قائمة حتى الآن، قد أجرمت بكل ما في الكلمة من معنى.
إنّ العلاج الأساسي لتحسين الوضع الإقتصادي اللبناني يجب أن يبدأ بتصحيح الميزان التجاري والذي وصل عجزه الى 18 مليار دولار سنوياً.والتصحيح يقتضي إتخاذ القرارين التالِيين دون تلكؤ:
-تجميد العمل بإتفاقيات التبادل التجاري الحرّ مع كل المجموعات والدول لمدة لا تقل عن 15 سنة.
-وضع رسوم جمركية فاعلة لا تقل عن 50% على كل ما يُنتَج أو يمكن إنتاجه في لبنان حمايةً للمُنتِجين اللبنانيين وإفساحاً في المجال لتحفيز الإستثمار في القطاعات الإنتاجية وبالتالي خلق فرص عمل للأعداد المتزايدة من العاطلين من خرّيجي الجامعات وغيرهم. أمّا اللجوء إلى الإستدانة من صندوق النقد الدولي أو تفعيل مقرّرات مؤتمر سيدر، فكلاهما مجرّد:
-تأجيل للإعتماد على الذات اللبناني في تحسين إقتصاده.
-تأجيل لتحفيز الإستثمار في القطاعات الإنتاجية والإبقاء على الإرتهان للدول الغربية وإطالة إستعمارهاالإقتصادي للبنان. -تأجيل للإستفادة من الكفاءات اللبنانية ولتخفيف مستوى البطالة.
المهندس موسى فريجي
musa@musafreiji.com
www.musafreiji.com
12/06/2020