لا أمل للبنان بالخلاص من وضعه الإقتصادي المأزوم إلّا بالتصميم لنقله من بلدٍ ريعي يعتمد إستيراد كل شيء تقريباً الى بلدٍ منتج للعديد من حاجاته الغذائية والدوائية والصناعية. وهذا لن يتحقق بظلّ الإتفاقيات المبرمة. من هنا وجب تجميد العمل بهذه الإتفاقيات لمدة لا تقل عن 15 سنة. حجة لبنان لهذا التوجُّه هو وضعه الإقتصادي الصعب وارتفاع نسبة البطالة وخسارة خرّيجي جامعاته. وجميع هذه مبرّرات مشروعة سوف يتفهّمها الفرقاء الآخرون اللَّهُمَّ إلاّ إذا كانت سياستهم تجاه لبنان هي سياسات القهر والإذلال والتبعيّة المتعمّدة.
تجميد العمل بإتفاقيات التبادل التجاري الحرّ يفتح المجال أمام لبنان لوضع رسوم جمركية لا تقلّ عن 50% وقد تصل الى ما يزيد عن 100% لبعض المنتجات الكمالية المستوردة. لدى القيام بهذه الخطوة، وحتى يُصار الى إحلال منتجات محلّية محل المستوردة، سوف تجني مديرية الجمارك التابعة لوزارة المالية دخلاً لا يقل عن خمس مليارات دولار سنوياً يتناقص بصورة تدريجية مع إحلال منتجات محلّيّة محل المستوردة.
لا شك أنّ ارتفاع قيمة المستوردات سوف ينتج عنه أمرين: الأمر الأول هو زيادة كلفة المعيشة. والأمر الثاني هو فتح المجال أمام الإستثمار في إنتاج منتجات محميّة جمركيّاً.
وعلاج كلفة المعيشة يكمن في زيادة الحدّ الأدنى للأجور من 675 ألف ل.ل. شهرياً الى 1,5 مليون ل.ل. والتوقف عن الزيادة لكل من يحصل على 3 ملايين ليرة وما فوق. وهذا ينطبق على موظفي القطاع العام أيضاً.
أمّا مصدر الإستثمار في إنتاج المنتجات المحميّة جمركياً، فسوف يأتي من أموال المستوردين والتي بلغت 10 مليارات دولار سنوياً وهي متوفّرة ومستمرّة بالرغم من الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان.
إنّ مأساة لبنان الإقتصادية هي في إعتماد التبعية وإرضاء الدول الأخرى عربيةً كانت أم غربيّة أو حتى شرقية. المأساة أيضاً هي في هيمنة طبقة فاشلة من إقتصاديين عفّ عليهم الزمن وطال إلتصاقهم بمفاتيح الإقتصاد اللبناني من غرف التجارة، الى جمعية المصارف، الى وزراء إقتصاد غير كفوئين، الى حاكميّة مصرف لبنان، الى جيش من الموظفين والعاملين في الجمارك المُنتفعين من الإستيراد والمستوردين بطرق شتى. كلّهم نخرَهم الفساد الى العظم.
فلا أمل بالخروج من الضائقة الإقتصادية إلاّ بكسر هذه الحلقة من الفساد أولاً، ثمّ بتحفيز الإستثمار في قطاعات إنتاجيّة.
وللبحث صلة...