غاب عن البيان الوزاري أي ذكر لمعالجة الوضع الإقتصادي بالعمق. هنالك جملة واحدة في مطلع البيان تعِد الحكومة بموجبها "تقديم مشاريع قوانين من شأنها أن تُسهِّل بيئة العمل الإقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية وتنظيمها وتطويرها".
في هذا البيان كما في البيانات السابقة تظل مسألة معالجة الأزمة الإقتصادية المتمثلة بالدَّين العام المتفاقم وبالعجز في الميزانية العامة وفي العجز بالميزان التجاري وفي البطالة المتعاظمة وفي هجرة الكفاءات والرّساميل وفي فقدان الإستثمار الوطني والأجنبي تتصدّر الموقف المأزوم منذ 1993 حتى الآن.
السبب الرئيس في هذا الوضع يقع في سياسة الإنفتاح التي إعتمدتها الحكومات المتعاقبة والتي نتجَ عنها إقفال العديد من المصانع وتراجُع العديد من الزراعات. هذه القطاعات الإنتاجية هي العمود الفقري للإقتصاد اللبناني لكنّ فِكر ونهج العولمة والإنجرار إليها إنّما أدّى إلى ما نحن فيه من أزمات مستعصية.
لن تُحلّ مشكلة البطالة وهجرة الكفاءات إلاّ بخَلق مشاريع إنتاجية تستوعب الوافدين الفائضين إلى سوق العمل والذي يتعدى عددهم الـ 25 ألف طالب سنوياً. لن يحدُث أن يتمّ الإستثمار في مشاريع إنتاجية إلاّ بعد حمايتها حمايةً جمركية فاعلة وذلك بظل إرتفاع أكلاف الإنتاج في لبنان مقارنةً مع العديد من الدول التي تصدِّر الى لبنان إنتاجاً أقل كلفةً وفي الغالب مدعوماً و/أو مدعومٌ تصديره.
لن يستقيم الوضع الإقتصادي إلاّ بتنويع مصادر الدخل بحيث تشمل القطاعات الخدماتية من تعليم وتطبيب ومصارف وسياحة والقطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة وعدم الإتكال على إقتصاد المعرفة فقط وذلك لإستيعاب 25 ألف فرصة سنوياً.
لن يستقيم الوضع الإقتصادي إلاّ بإعتماد العدالة في السياسة الإقتصادية. فلا يجوز أن يكون هنالك حماية إحتكارية لإنتاج الإسمنت والكابلات الكهربائية وحصرية طيران الشرق الأوسط في أسعار تذاكر السفر بينما تمتنع الحكومات المتعاقبة عن إعتماد حماية الصناعات المختلفة والزراعات والمواد الغذائية وصناعة الأدوية وغيرها.
لن تنطلق مشاريع الإنتاج الوطني في ظل قانونَيّ حماية الإنتاج الوطني وحماية المستهلك الحالِيَّين لأن هذين القانونَين قد صُمِّما خصيصاً على يد عملاء مدسوسين من دولٍ أرادت للبنان أن يكون بلداً ريعياً غير مُنتج ودفعت رواتبهم طيلة عشرات السنين لتمرير هذين القانونين عبر مجالس الوزراء ومجالس النواب كي يكونا عائقاً لإنطلاقة الصناعة والزراعة وإنتاج الغذاء والدواء والملبس. والدليل على هذا القول هو فشل قانون حماية الإنتاج الوطني في حماية أي إنتاج صناعي أو زراعي في لبنان من المُستوردات المدعومة منذ أن صدر هذا القانون حتى الآن. والدليل على سوء صياغة قانون حماية المستهلك هو العقوبات القاسية التي يتضمنّها لأي مخالفة على صعيد مراكز الإنتاج والتي تطال رئيس مجلس الإدارة بالغرامات التي أقلُّها 50 مليون ل.ل. والسجن حتى ستة أشهر بينما العقوبةعلى المستوردات المماثلة إن ظهر فيها أية عيوب هو الإتلاف دون غرامات أو سجن. فقانون حماية المستهلك الحالي إذاً هو لحماية الإنتاج المستورَد على حساب الإنتاج الوطني لأنه الفزّاعة التي تجعل أي مستثمر في إنتاج وخاصةً المواد الغذائية يهرب من الوُلوج فيه. وبالمناسبة فإنّ هذا القانون لا يطال المصارف وحماية المودعين من العبث بهم لأنه لا ينطبق عليهم.
إنّ وعد الوزارة في بيانها الوزاري في تقديم مشاريع قوانين من شأنها تسهيل بيئة العمل الإقتصادي هو بمثابة رش الرماد في العيون وعدم الجدّية في التعاطي بهذا الموضوع عِلماً بأنّ أهم عامل يطلب المواطن اللبناني معالجته هو إيجاد فرص العمل له ودخله الذي يتناسب مع أكلاف المعيشة.