التعاون والتنسيق الاقتصادي هو الأصعب

April 27, 1999 Musa Freiji Articles

اتفاقية التعاون والتنسيق بين سوريا ولبنان اتفاقية باركها السواد الأعظم من القيّمين على السياسة في لبنان . لكن ، بينما يمكننا رؤية فوائد محددة للتعاون والتنسيق السياسي والأمني بين البلدين فإنه حتى الآن يصعب تصوّر نجاح التعاون والتنسيق الاقتصادي بصورة سلسة دون مواجهة مصاعب جمّة ، وبشكل أخصّ للاقتصاد اللبناني .

من المفهوم أن اتفاقية التعاون والتنسيق وما يستتبعها من اتفاقات لاحقة ترمي إلى إحداث تكامل في السياسات المختلفة في البلدين من شأنه أن يعزز التقارب بين فئات المجتمع ويزيد من التعاون بينها بشكل تلقائي .

إننا نرى إنه ما لم يصر إلى توحيد ، أو على الأقل تقريب ، عديد من المعطيات المؤثرة في كلفة إنتاج المنتجات الصناعية أو الزراعية في البلدين فإنه يستحيل تنفيذ أية اتفاقية لتبادل السلع الصناعية أو الزراعية بشكل منصف للقيّمين على الإنتاج في البلدين .

إن إلقاء نظرة سريعة على تكاليف الإنتاج في البلدين يظهر فوارق وفجوات لا بد من سدّها قبل الانتقال إلى دراسة ووضع وتنفيذ اتفاقات التبادل المقيّد أو الحرّ .

من المعترف به أن كلفة وسائل الإنتاج في سوريا المتعلقة بالرواتب والأجور وبالطاقة الكهربائية وبالمحروقات وبالضمانات الاجتماعية وبالرسوم المتعددة وبالتعرفات الجمركية على معظم مستلزمات الإنتاج وبالفائدة على القروض هي أقل منها في لبنان وبفارق كبير . وعليه فإن كلفة إنتاج المنتجات الصناعية والزراعية بشكل عام هي أعلى في لبنان منها في سوريا . وهذا الأمر لا بد وأن المفاوض اللبناني يعيه ويأخذه بالاعتبار لدى التباحث في اتفاقيات التبادل التجاري بين البلدين .

وإذا كانت اتفاقية تبادل المنتجات الصناعية التي دخلت حيّز التنفيذ اعتباراً من أول عام 1999 لم تسفر عن ضرر كبير للصناعات بعد فذلك مردّه إلى أن التخفيض في الرسوم الجمركية هو في مرحلته الأولى أي 25% . لكن الضرر سيظهر ويزداد مع ازدياد رفع مستوى الحماية سنة بعد سنة .

أما المباحثات في اتفاقية تبادل المنتجات الزراعية فهي مباحثات شاقة لأن الهوة في تكاليف الإنتاج بين البلدين هي أوسع منها في المنتجات الصناعية ولأن المفاوض اللبناني يعي مخاطر إبرام اتفاقية مماثلة لتلك المتعلقة بالمنتجات الصناعية على الإنتاج الزراعي اللبناني المرتفع التكاليف للأسباب التي بيّنا أنفاً إضافة إلى أسباب أخرى كأجور الأرض وكلفة الريّ وكلفة البذار والأدوية الزراعية والأسمدة وغيرها .

وبينما تجري المفاوضات الزراعية نرى أن الخارجين على القانون قرروا أن يتخطوا المسؤولين في البلدين ويلجأوا إلى تهريب المنتجات الزراعية من سوريا إلى لبنان وإغراق السوق اللبنانية بالمنتجات الزراعية السورية الرخيصة الثمن . والملفت للانتباه أنه يتعذّر على هؤلاء تهريب منتج من لبنان إلى سوريا لأن السلطات السورية واعية ومتنبّهة بينما السلطات اللبنانية عاجزة تماماً .

إن استمرار هذا الوضع غير المتكافئ سيلحق الأذى بالمنتج اللبناني ويجبره على الإقلاع عن إنتاجه عاجلاً أم آجلاً . سوف ينتج عن ذلك افلاسات لا حدّ لها وبطالة واسعة وضائقة اقتصادية كبيرة وبالتالي خلل اجتماعي وتذمّر شعبي لا تحمد عقباه .

إننا ندعو إلى دراسة الاتفاقات التجارية بين البلدين بصورة تفصيلية دقيقة وإنصاف المنتجين إنصافاً كاملاً . وإذا كان الهدف الأسمى هو فتح الحدود بين سوريا ولبنان وإزالة العوائق أمام التبادل التجاري الحر فإن هذا التدبير يستلزم توحيد المعايير في البلدين أولاً وقبل اللجوء إلى أي تدبير من شأنه إلحاق الأذى بالمنتجين والمستثمرين .

ومن البديهي القول بأن سوريا لن تكون أحد الطرفين الذي سيعدل من المعايير المعتمدة لديها وهي الشقيق الأكبر . لكن على الشقيق الأصغر لبنان أن يلجأ إلى التغييرات التي تساوي بالمعايير المعمول بها في سوريا .

تأتي في طليعة المعايير الواجب تعديلها في لبنان كي تتكافأ فرص الإنتاج بين البلدين التوحيدات التالية: - توحيد الحد الأدنى للأجور والزيادات المفروضة . - توحيد الرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج المستوردة من خارج البلدين . - توحيد أسعار الطاقة الكهربائية . - توحيد أسعار المحروقات . - توحيد الرسوم المختلفة المؤثرة في كلفة الإنتاج . - توحيد المزايا الإضافية للعاملين وفي طليعتها الرسوم المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي . - توحيد الدعم على أي فئة من فئات الإنتاج مع الاستعداد لإلغاء ما هو غير معمول به في سوريا.

وليكن واضحاً منذ الآن على إن من شأن هذه التدابير أن تساوي في نهاية المطاف في مستوى المعيشة بين مواطني البلدين الشقيقين .

وحتى تحزم الحكومة اللبنانية أمرها وتأخذ الإجراءات العملية الآيلة إلى توحيد المعايير ، عليها أن تأخذ العبرة من سوريا وتحمي إنتاجها الوطني من عبث العابثين المهربين الخارجين على القانون وتحمي بذلك مواطنيها واقتصادها من انهيار محقق .

ففي ظل الفوضى التي نعيشها يتعذر على لبنان أن يشهد استثمارات جديدة في القطاعات الإنتاجية وبالتالي يتعذر خلق فرص تةظيف لمحتاجينها ويتعذر أيضاً على الحكومة أن تجبي ما منت نفسها أن تجبيه من ضرائب ورسوم لتصحيح ميزان مدفوعاتها بموجب مشروع موازنة 1999 والسنوات الأربع اللاحقة .