التهريب من سوريا وآثاره المدمّرة على الاقتصاد اللبناني

July 23, 2003 Musa Freiji Articles

لن نغالي إذا قلنا بأن ظاهرة تهريب المنتجات السورية وغير السورية من سوريا إلى لبنان انتشرت خلال السنين الخمسة الماضية إلى درجة يمكن تحميلها معظم مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان.

ففي بلد اقتصاده حرّ يعتمد هذا الاقتصاد على المبادرات الفردية وقيام القطاع الخاص بالمشاريع الإنتاجية والتجارية والخدماتية. وهذا القطاع يتكيّف بالضوابط والإجراءات التي تضعها الدولة ومنها:

- الرسوم الجمركية - الرسوم غير الجمركية المختلفة الأوجه - الحدّ الأدنى للأجور - رسوم صندوق الضمان الاجتماعي - أسعار المحروقات والدخان والهاتف العادي والمحول - أسعار الطاقة الكهربائية

ينتج عن هذه الضوابط معايير تحدد كلفة الإنتاج الزراعي أو الصناعي وكلفة الخدمات ويحدد القطاع الخاص على ضوء هذه المعايير أسعار بيعه بجوّ من المنافسة الداخلية العادلة.

جاء التهريب ليخرّب هذه المعادلة لأنه عمل عدواني تخطى سلطة الدولة وحرمة المواطن فأطاح بهيبة الأول وحرم الثاني من تحصيل العيش الكريم.

ففي المجال الزراعي، وبسبب كلفة الإنتاج المتدنية في سوريا مقارنة مع لبنان، تغزو المنتجات السورية المهربة من خضار وفاكهة وزهور وزيتون وزيت وحليب ومشتقاته ودواجن الأسواق اللبنانية من دون أي رادع ودون المرور بالإجراءات الزراعية والصحية والجمركية اللازمة. نتج عن ذلك أن توقف المزارعون عن إنتاج عديد من المزروعات الموسمية، وعجزوا عن بيع محصولهم من الزيت وباعوا الزيتون بأسعار متدنية للغاية، وتوقف تقريباً عن إنتاج الحليب.

أما الدواجن فالفارق في كلفة الإنتاج بين البلدين لا يتعدّى 10 % الأمر الذي يجعل من الناحية النظرية على الأقل، التهريب غير مجدٍ. لكن ارتفاع سعر لحم صدر الدجاج في لبنان مقارنة مع أسعار لحم الفخذ والجوانح ومقارنة مع أسعاره في سوريا جعل من الممكن للمهربين احتكار بيع صدر الدجاج المهرّب تقريباً في لبنان لكافة منافذ البيع والفنادق والمطاعم. وترك للمنتج اللبناني أن يبيع فقط الفروج الكامل المشوي على الشوّايات الذائعة الانتشار في كافة المدن والقرى اللبنانية وكذلك في عرض بعض المقطعات الطازجة في المحلات التجارية.

تقدّر كميات صدر الدجاج التي تدخل من سوريا إلى لبنان سنوياً بتسعة آلاف طن. تحتاج هذه الكمية إلى تربية 25 مليون فروج سنوياً أو 40 % من الإنتاج اللبناني. يربّي هذه الكمية حوالي 450 مزارعاً حرموا من هذه التربية وأضحت مزارعهم خالية فخسروا بذلك وسيلة عيشهم وتجمّد رأسمالهم الثابت من بناء ومعدات.

وما ينطبق على الدواجن ينطبق أكثر على كافة المنتجات الزراعية حيث الفارق في كلفة الإنتاج بين البلدين تتراوح بين 50 و 150 % لصالح الإنتاج السوري.

وإذا علمنا بأن أربعين بالماية من الشعب اللبناني يعيش على الزراعة بشكل مباشر وغير مباشر يمكننا تقدير حجم الضائقة التي يتعرض لها المتعاطون بالزراعة وبهجرتهم للريف وللبنان.

أمّا في الشأن الصناعي فالمشكلة مشابهة لكن ضررها أقلّ حدة نظراً إلى أن سوريا تعتمد سياسة حمائية لإنتاجها الصناعي في حين أن مستوى المنتجات الصناعية السورية لم يرق إلى مستويات عالمية حتى الآن.

أما في المستوردات من إنتاج بلدان أخرى إلى البلدين فإن الخلل يكمن في اعتماد لبنان ضريبة القيمة المضافة بينما لم تعتمدها سوريا حتى الآن. وهذا الأمر سهّل للمستوردين السوريين استخدام المهرّبين لإدخال المستوردات الأقل كلفة إلى لبنان وحرمان الخزينة اللبنانية من رسم القيمة المضافة والتاجر اللبناني من العمل. يكفي أن نعطي مثلاً واحداً للتدليل على هذه الظاهرة وهو الموز المستورد إلى سوريا الذي يهرّب إلى لبنان وينافس الموز اللبناني كما يحرم خزية الدولة من الرسم الجمركي.

على الدولة أن تتحرك وتضع حدّاً للتهريب دون أيّ خجل أو عقدة من المسؤولين السوريين لأن المسؤولين السوريين غير قادرين على الدفاع جهارة عن الممارسات غير القانونية وعن الخارجين عن القانون.