من البديهي أن يُطالِب موظفو القطاعين العام والخاص بزيادة الرواتب خاصةً إذا ثبُتَ أنها أضحت لا توفي بمتطلّبات المعيشة الكريمة.
ومن البديهي أيضاً أن يُشدِّدَ موظفو القطاع العام على تمويل هذه الزيادات من مصادر تتقاعس الدولة عن جبايتِها خاصةً إذا كانت مطلوبة من أصحاب النفوذ الكبار من مسؤولين أو موظفين أو فاسدين ومُفسِدين وما أكثرَهم في لبنان. هذا ناهيك عن الهدر غير المحدود عن طريق الفساد والرشوة المُستَشرِيَة بين موظفي الدولة في كل مكان الأمر الذي يؤدي الى فقدان مبالغ لا تُعدّ ولا تُحصى لخزينة الدولة. أمّا الزيادات التي تُلزِمُها الحكومة على القطاع الخاص فهي تزيدُ حُكماً من كلفة إنتاج هذا القطاع أو من كلفة خدماتِهِ.
فالقطاعات الخدماتيّة من مستشفيات أو مدارس خاصة أو مِهَنيّين أو تُجّار، فمن الطبيعي أن يَرفعوا رُسومَهُم بمقدار الزيادة التي تُفرَض عليهم وبالتالي يكون المُكلَّف اللبناني هو الذي يتكبَّد هذه الزيادات بصورةٍ مباشرة. وعليه فإنّ الشِّق المُخصَّص من الزيادة للخدمات تذهب كما جاءت دون أي فائدة مباشرة للموظف أو العامل.
أمّا القطاعات الإنتاجيّة، وهي تعود للقطاع الخاص حصراً، فهي التي تُعاني من الزيادات التي تفرضُها الحكومة عليهم دون موافقتهم. ذلك لأنّه لا يُمكِنها زيادة قيمة مبيع السِّلعة المُنتَجَة بمقدار زيادة التكاليف بصورة آليّة مباشرة.
فالقطاعات الإنتاجيّة في لبنان، صناعيّةً كانت أم زراعيّة، تُواجِه منافسة المُستَوردات التي أضحت معفيّة من الجمارك بظل إتفاقيّات التبادل التجاري الحرّ التي أبرمتها الحكومات المُتعاقِبة منذ 1992 حتى يومنا هذا.
ولو أرادت الحكومات المُتعاقِبة أن تكون عادلة تجاه القطاعات الإنتاجيّة في لبنان، والتي تُعيل ما لا يقلّ عن 40 % من سكان لبنان، لكانت زادت الرّسوم الجُمركيّة على المُستوردات الصناعيّة والزراعيّة والغذائيّة المُنتَج مثيلُها في لبنان بمقدار أي زيادات في التكاليف تفرضُها على غرار الزيادات في الأجور.
وإلاّ فإنّ هذا التصرُّف يعني إمعاناً لإهمالِها لهذه القطاعات وإمعاناً لسياسة تركيع القطاعات الإنتاجيّة وإقفال العديد من المصانع كمصانع الأحذية والألبسة والسيراميك والأدوية والمفروشات وزراعات كزراعة العدس والحمص والفاصوليا والتفاح والزيتون والشمندر السُّكري وغيرها.
حبَّذا لو عدَّلت الحكومة الحاليّة والحكومات اللاحقة سياستها تجاه القطاعات الإنتاجيّة لكانت حفَّزت الإستثمار فيها ووفَّرَت بذلك فرص عمل كبيرة بدل فقدان خيرة شبابنا للهجرة والعمل خارج لبنان ونوَّعَت مصادر الدخل والإقتصاد بدل حصرِهِ بالسياحة والخدمات.
وأغرب ما في هذا الأمر أن يكون ممثلو القطاعات الإنتاجيّة في الهيئات الإقتصاديّة غافلون عن هذا الأمر إمّا لأنّهم لا يدرون، وتلك مصيبةٌ، أو أنّهم مهووسون الواحد منهم تلو الآخر في الأجندات السياسيّة الوصوليّة بدل التركيز على مصلحة من يُمثِّلون، فالمصيبةُ أكبرُ. المهندس موسى فريجي 21/03/2013