الزراعة مصدر الحياة

July 07, 2007 Musa Freiji Articles

أذا كان لي أن أعرّف الزراعة بكلمتين لقلت أنها مصدر الحياة . أنها مصدر الحياة لأنها مصدر الغذاء ولأنها أصبحت بإزدياد مصدر الطاقة المجددة. أنها الرابط المشترك لأنسانيتنا. فهو يوحدنا ويضع مطالب علينا. قال جواهريال نهرو مرة " كل شيء آخر يستطيع الإنتظار لكن ليس الزراعة ".

تذكروا أن عشية القرن العشرين كان هنالك مليار ونصف المليار إنساناً على الأرض. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين اصبحنا نعدّ ستة مليارات نسمة ونتقدم لنصل إلى تسعة مليارات في عام 2050. ولكي نوفي حاجات مجتمعاتنا يتطلب ذلك خطوات جديدة تعترف بأن ليس هنالك من دولة قادرة على أن تعزل ذاتها وتكون مكتفية .

نحن نعلم بان الأرض قد تعرضت لتخريب خلال القرون الماضية وأصبح جزء منها عار، اضف إلى ذلك التلوّث والإستخدام المفرط للماء. كل ذلك يستدعي منا أعادة النظر بكيفية المحافظة على الطبيعة والإستخدام الحكيم لمصدر بقائنا. وكأن توفير الغذاء لأعداد البشر المتزايدة لم يكن تحدٍ كافٍ ، فأذ بنا نواجه بسرعة كبيرة إستخدام ذات المصادر من أرض وماء وشمس لإنتاج الطاقة المتجددة بأحجام هائلة.

أنه حقاً أكثر من تحدٍ . لأن ذلك يتطلب قادة قادرون على إستنباط سياسات جديدة وعلى أخذ قرارات صعبة . عليهم التخفيف من سياسات الدعم في الدول المتطورة والتجاوب مع صرخات الدول النامية والفقيرة لفتح حدودهم لمنتجاتها.

في العقود الأخيرة جاءت إغراءات عجائب العلوم وثورة الإتصالات والأسواق المالية المثيرة والخوف من نفاذ النفط وعديد آخر من مثل هذه المسائل ، جاءت كلها لتصرف نظر العديد عن القضية المحورية وهي أهمية الارض والماء والزراعة لبقاء الإنسان. أما الآن فقد عادت الزراعة والتعامل الحكيم مع الأرض والماء إلى الواجهة في المجتمعات العالمية لأنه لا يمكن التحاور في الموضوع الرئيسي في العالم إلا وهو الإنحباس الحراري دون التطرق إلى الدور المركزي للزراعة. سمّها الثورة العالمية الجديدة التي سوف تتطلب الكثير من العديد. مع أن السوق الجديد للطاقة المتجددة تعتبر نعمة لعديد من المزارعين في العالم، إلاّ انها ستزيد من كلفة الغذاء للمستهلكين أغنياء وفقراء على حد سواء.

ان الثورة الجديدة هي أهم وأكثر إثارة من الثورة الخضراء في العقد السادس من القرن العشرين. فليس علينا إنتاج غذاء أكثر بل علينا أن نعالج مشكلة غاز الميثان المنبعث من الخضار المهترئة وحقول الارز الواسعة الإنتشار وسماد الحيوانات في كافة أنحاء العالم. ما زال عالمنا اليوم في المراحل الاولى لتطوير المفاهيم اللازمة لإدارة المتطلبات المتضاربة ليكوّن السياسات المستدامة. من المسلّم به أن العلم وحده سوف يستطيع ان يحدث الإختراقات في ميادين المختلفة. أنها حقاً لمهمة شائكة لم تتعرض لها الأجيال السابقة. لكن عالم ملتزم بوسعه أن يواجه هذه الأهداف إذا توفرت الإرادة.

أن تحقيق التقدم المنشود يتطلب تفكيراً مهنياً جديداً وشراكات جديدة ومشاريع مشتركة وبناء علاقات جديدة لأنه على كل حلقات الزراعة والغذاء أن تعمل معاً للترويج للنهضة المستدامة. إضافة إلى ذلك فأن فتح الاسواق هو شرط لنجاح المزارعين في سعيهم. وإذا ما إكتفوا بالأسواق المحلية لمنتجاتهم في بادئ الأمر فانهم بحاجة للأسواق العالمية في مراحل لاحقة.

من المؤسف أن تكون المتاجرة في المواد الغذائية ما زالت الأكثر تشوّهاً. فمحادثات الدوحة للمنظمة العالمية للتجارة تراوح مكانها بالجدل العقيم حول من سيخطو الخطوة الاولى. ففي هذه المحادثات يبدو أن الدول المتقدمة هي التي تتعنت بالمحافظة على دعم منتجاتها الزراعية ووضع العراقيل أمام حرية التجارة بينما الدول النامية تطالب بفتح الأسواق.

لكن قادة الدول الذين تقع عليهم المسؤوليات الجسام هم الذين عليهم أخذ مبادرة التغيير. ما اجمل أن نرى الصغار والمحرومين بالآف الاكواخ والقرى في إنحاء العالم وقد فتحت أمامهم فرص جديد وبأن مجهوداتهم المشتركة سوف تؤدي إلى حياة افضل لهم ولعائلاتهم.

واقع الزراعة في العالم

أن احداث الرخاء هو تحد دائم لأسباب عديدة أمّا أحداث رخاء من الزراعة فهو تحد أكبر لأنه يتطلب التغلب على قيود الموارد دون تحجيم قدرتنا على إنتاج غذاء وألياف بكميات تكفي الزيادة السكّانية المرتقبة. أن مواجهة هذه الحاجات يتطلب مضاعفة إنتاج الغذاء خلال الأربعة عقود القادمة. تصوروا أنه إضافة إلى الحاجة لتحسين مستوى التغذية لملياري انسان علينا أن نجد غذاء اضافياً لمليارين ونصف جديدة أي ما يوازي عدد الصين والهند مجتمعين. هذه المهام وحدها تعد تحد كبير للزراعة لم يكن للعالم أن يعتبرها ممكنة في الماضي القريب. ان هذا العنصر الجديد المتنامي في الطلب يعكس نمواً أقتصادياً عالياً وقدرة هذا النمو لتغيير المظهر الإقتصادي لعديد من الدول النامية تغييراً جذرياَ. فالنمو في الدول النامية كان مؤخراً وسيبقى أكثر من ضعف النمو في الدول المتقدمة. أن لهذا المنحى دلالاته الهامة على الزرعة لأنه سيفرز النمو للطبقات الوسطى من المستهلكين في قارات عديدة ليس بزيادة مستوى الإستهلاك فحسب بل بتحسين مستوى الغذاء. من المؤمل أن تبقى هذه المناحي في المستقبل المنظور . أن مواكبة هذا الطلب يحتاج إلى إستخدام موار زراعية إضافية فيما لو ظلت المستويات الإقتصادية على ما هي.

لكن وفيما التحدي لإنتاج الغذاء باقٍ ، هنالك تحد جديد للزراعة كي تساهم في تنظيف الهواء وتنويع مصادر الطاقة. لقد تملكت هذه الأفكار بصورة مدهشة كردة فعل لزيادة أسعار الطاقة وللتغيير المناخي . أننا نشهد الآن زيادة كبيرة ومتنامية في عديد من دول العالم لطلب الطاقة الحيوية .فالبرازيل تستخدم أكثر من نصف انتاجها من قصب السكر من 7,2 مليون هكتار لإنتاج 20,5 مليار ليتر من الإيثانول ولديها المخططات والقدرة لزيادة هذا الإنتاج . والإتحاد الأوروبي لديه 120 مصنعاً لإنتاج 6 ملايين طن من المازوت الحيوي، وهذا يعتبر البداية، كما أن المستهدف هو 5,75 % من مجمل إحتياجاتها من النفط الأمر الذي يتطلب رفع الطاقة الإنتاجية أربعة أضعاف وإستخدام 15 % من الأرض الصالحة للزراعة لهذا الغرض . هنالك برامج إنتاج الوقود الحيوي في اليابان والصين والهند واندونيسيا وغيرها من دول آسيا. هنالك إنتاج ذو مغذى وبعضه يتم تصديره كما أن هنالك مشاريع قيد الإنشاء مع كل يوم يمر. أمّا في الولايات المتحدة الإمريكية فإنتاج الإيثانول يتنامى بصورة كبيرة حيث سيصل إلى 7,5 مليار جالون في عام 2012 . من المؤمل أن يتم إستخدام ربع إنتاج الولايات المتحدة من الذرة. في إنتاج الإيثانول . بعض الخبراء يقدر الإنتاج بـ 16 مليار جالون بحلول عام 2015 مع إستخدام 40 % من مجمل إنتاج الذرة. والقصة تتكرر في جميع أنحاء العالم... الوقود الحيوي بدأ وهو يزداد ، كما أن هنالك ابحاثاً تجرى لإستنباط انواع عريضة من الأعلاف الأكثر كفاءة.

أن هذه الرؤى حول التفرع الكبير في انتاج الوقود النظيف يجابه بإزدياد بعوائق حقيقية ملحة : فالأرض الزراعية محدودة ، والمنافسة على الماء تتعاظم ، والتمويل يواجه منافسة حادة من إستثمارات اخرى . هذا وعلينا ان نكون أكثر إهتماماً بتأثير الزراعة على البيئة بينما في ذات الوقت علينا تطوير الوسائل التي تعزز الإستدامة.

وحيث نحن نحدد إستخدام الموارد الزراعية للغذاء والوقود ، هنالك إدراك متزايد حول تآكل البيئة حول العالم . فالزراعة ساهمت في تخفيف إنجراف التربة وتحسين نوعية الماء والهواء وتعزيز بيئة الحيوانات البريّة . ولكي يمكن تحسين هذه المشاكل مع زيادة الإنتاج الزراعي فذلك يتطلب تقنيات جديدة وأموال إضافية ووسائل زراعية جديدة . وإضافة لذلك فأن مشكلة التغيير المناخي تخلق ضغطاً لكافة الصناعات بما فيها الزراعة للتخفيف من الإنبعاثات الكربونية.

من الواضح بان التحديات التي تواجه العالم الآن تربط الزراعة بتوفر الغذاء وبالرخاء وكلاهما مبطّن بالتحدي الإضافي وهو التغيير السريع . فكيف لنا أن نوفر المواد الإضافية من الأرض بينما الموارد ومسائل نوعية البيئة والإستدامة تستدعي أولوية أكبر؟ نحن نعلم أن إيجاد الحاجات في المستقبل يتطلب تغييرات مستمرة . في الواقع لا يمكننا الوصول إلى أهدافنا بالمعوقات الحالية. علينا إذن أن نحدث ثورة في النظام العالمي وهذا ما يحصل الآن.

ليست هذه المرحلة غير مسبوقة بالتاريخ . من المفيد أن نتذكر بان الهند وبعض البلدان الأخرى واجهت مجاعة منذ بضعة عقود. جاءت الثورة الخضراء كحل يعتمد التكنولوجيا بالعلم والمال فأزالت خطر المجاعة هذه. ثم لم ننس بعد القول "من سيطعم الصين ؟ " لكن بتحديث المميزات للإبداع التقني وبقبول الإنفتاح الإقتصادي إستطاعت السياسات الإقتصادية والإجتماعية الصينية أن تحدث تقدماً عظيماً . فالزراعة لم تفقد قدرتها على مواجهة هكذا تحديات . والزراعة قادرة على مواجهة حاجات الطاقة الجديدة كا عُّبئت لتوفير الغذاء في السابق.

لكن من الواضح ان إحراز رخاء أكبر، بينما تتم معالجة المشاكل الإجتماعية، سيتطلب توسعاً مستداماً . فالآن أصبحت الوصفة الأساسية للتطور الإقتصادي معروفة بشكل عام.أما المكونات اللازمة لها فهي مألوفة بالرغم من أن تركيبتها وتطبيقها تبدو صعبة معظم الأحيان . فالمسائل الأساسية تحوي :

المزيج الصحيح بين السياسات الإقتصادية والتشريعات لخلق المناخ المؤاتي لتحفيز الإستثمار الذي يخدم المجتمات. هذا يعني أنظمة شفافة وحرية تدفق الرساميل والمعلوات . التاريخ مشبع بالأمثلة التي تؤكد نظرية التوافق بين هذه الشروط والنمو الإقتصادي المستدام. الإبداع التكنولوجي هو الأساس الذي تم إختباره على مرّ الزمن لتخطي محدودية الموارد. اصبح من المسلّم به أذن انه لا يمكن مواجهة كل التحديات دون إعتماد تكنولوجيات متطورة.

علمتنا الخبرات أن تََوفّر هذه الشروط يحفز المستثمرين ويوجد الاموال للمنشآت ولتسخير التكنولوجيا والإدارة الضرورية. بهذه الرؤى ، يمكن للتطور التكنولوجي أن يرى النور ويمكن لنا أن نصبح أكثر فعالية وأن نوظف مواردنا المتاحة بطرق أفضل وان نعبئ التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية. أن هذا التطور سوف يوفر الحافز الإقتصادي الذي تحتاجه الزراعة لمواجهة الطلب على الغذاء والألياف والوقود خلال القرن الواحد والعشرين بطرق أفضل وبكفاءة أعلى مما في القرن العشرين لمواجهة إحتياجات الغذاء والألياف.

هذا يقودنا إلى الإعتقاد بأن طموحاتنا يجب أن تكون اكبر . أن أحداث الرخاء يعني الذهاب أبعد من مواجهة الحد الأدنى للغذاء والوقود . إحداث الرخاء هو خطوة أرفع من مجرد تفادي المجاعة . أنه يعني إمكانية أن يتمتع إعداد كبيرة من الناس بالرخاء أكثر من أي وقت مضى. من أصل 6.5 مليار نسمة في العالم اليوم هنالك 1.25 مليار يعيشون على دولار واحد باليوم و 850 مليون منهم ( 67% ) يعانون سوء التغذية والجوع . هنالك ثلاثة مليارات نسمة تعيش على أقل من دولارين باليوم. لذلك فأن إعتماد المزيج الصحيح للسياسات والتشرعيات بإمكانه أن يوفر التمويل اللازم للزراعة من أجل تحسين دخل مئات الملايين بالارياف .كما ان نظاماً غذائياً كفؤاً من شأنه أن يفيد مئات الملايين الاخرى في المدن الذين سيشهدون غذاءً افضل نوعية وأقل سعراً. لما كنا نعلم ماذا علينا ان نفعله وكيف ، فما هو المطلوب للتقدم الملموس والسريع ؟ هنالك حلقة واحدة ضائعة إلا وهي الإرادة السياسية لخلق وتفعيل الشروط الضرورية لجعل النظام يتجاوب . يجب أن يكون هنالك دفع قوي للإرادة السياسية لتجميع المكونات وتطبيق العمليات . عندها يمكن إحداث الشروط السياسية والإقتصادية القادرة على جذب الإستثمار وتسهيل تدفق التكنولوجيا والمعلومات وتمكين الملتزمين . هذه الإرادة السياسية يجب أن تكون قومية في العديد من البلدان ذات الإقتصاد المهمش بالحوافز او المعوقات الإصطناعية والتي تعرقل التحديث والتقدم . من المؤسف حقاً أن تكون هذه الدول هي التي بحاجة اكبر للتقدم لكنها الأعصى على الإصلاح . لكن الإرادة السياسية يجب أن تبذل أيضاً في أمكنة أخرى كعواصم الدول المتقدمة حيث القرارات الصعبة مطلوبة لإيصال المفاوضات التجارية المتعثرة إلى نهاية سعيدة. سوف تنتعش الزراعة العالمية إنتعاشاً كبيراً من إتفاقية جديدة لمنظمة التجارة العالمية كما ستكون الدول النامية أكثر المنتفعين. وسوف تتيسر التجارة بين دول الجنوب بعضها ببعض أيضاً.

لعل افضل امل هو أن يعي السياسيون والزعماء الآخرين الفرصة السانحة لإستخدام الزراعة كمحرك قويّ من أجل تطور إقتصادي سريع ومتنام مع القدرة لإحراز تقليص ملموس بمستوى الفقر وتنويع بمصادر الطاقة وتحسين في الغذاء وقفزات سريعة في تحسين مستوى المعيشة ، كل ذلك لبلايين من البشر. ولأن المحاصيل من الأرض يزداد الطلب عليها، هنالك العديد ممن يرغبون تجييش الأموال تطوير التكنولوجيا لمواجهة الطلب بصورة كفوءة ومسؤولة . لكن هؤلاء يتطلبون مناخاً مستقراً شفافاً مؤاتياً كي يعملوا بظلّه. يمكننا حشد الزراعة العالمية لمواجهة الحاجات بصورة مستدامة . ونظراً لأهتمام العالم بالطاقة المتجددة ، يمكننا إضافة الى ذلك ان نحسن الرخاء العالمي . ولكي نفعل ذلك علينا أن نحدث الشروط التي توفر الحوافز الكافية كحشد الأموال ودفع التكنولوجيا آخذين بالإعتبار الهواجس البيئية والإجتماعية.

الأرقام تتكلّم

هذه بعض الأرقام والإحصائيات التي قد تفيد في تسليط الضوء على التحديات الآنفة الذكر:

يركد سكان الريف في العالم في حدود 3,2 مليار نسمة وفي الغالب سينقص إلى 3 مليارات نسمة بحلول 2050. في المقابل يزداد سكان المدن تدريجياً من 2,7 مليار نسمة في عام 2000 إلى 6 مليارات نسمة بحلول 2050. تبلغ نسبة سكان المدن حالياً 80 % بأميركا الشمالية ، 75% بأميركا اللاتينية ، 72 % بأوروبا و 40% في آسيا وأفريقيا .

بينما ازداد عدد سكان العالم من 3 مليارات في عام 1960 إلى 6.5 مليار في عام 2006، فالرقعة الزراعية إزدادت فقط من 4.5 إلى 5 مليارات هكتار خلال ذات الفترة.

في الغالب سيركد النمو الفردي السنوي خلال الأربعة عقود القادمة بحدود 2% بالدول المتقدمة ، 5% بآسيا ، 4% بدول الإتحاد السوفياتي السابقة ، 3 % بأميركا اللاتينية والدول العربية ، 0.5 % بأفريقيا .

خلال الخمسة عقود الأولى من القرن الحادي والعشرين ، سيزداد الإستهلاك الفردي اليومي للغذاء من 3400 إلى 3500 كيلوكالوري بالدول المتقدمة ، ومن 2800 إلى 3300 في شرق آسيا وأميركا اللاتينية ودول الإتحاد السوفياتي السابقة والدول العربية ، ومِن 2400 إلى 3000 في آسيا الجنوبية ، ومن 2200 إلى 2800 كيلو كالوري بأفريقيا.

الإستهلاك السنوي للفرد بالعالم من بعض المواد الغذائية سوف يتغير خلال العقود الخمسة الأولى من القرن الحادي والعشرين من 165 إلى 160 كيلو من الحبوب ، ومن 70 إلى 75 كيلو من الجذريات والدرنيات ، ومن 22 إلى 28 كيلو سكر ، ومن 12 إلى 18 كيلو زيوت وبذور نباتية ، ومن 35 إلى 52 كيلو لحوم ومن 78 إلى 100 كيلو من منتجات الألبان.

أن مصادر الماء العذب المتجدد هي 44000 مليار متر مكعب بالسنة موزعة 31 % بأميركا اللاتينية، 27% بآسيا ، 15 % بأوروبا ، 14% بأميركا الشمالية ، 9% بافريقيا و 4% بأوسيانيا .

لكن الفرق يمكن في إستخدام هذه المياه العذبة بين الدول المتقدمة والنامية. تستخدم الزراعة 82 % من المياه المتوفرة في الدول النامية بينما تستخدم الزراعة 30% بالدول الصناعية . تستخدم الصناعية 11% بالدول النامية مقابل 59 % بالدول الصناعية . اما المياه المستخدمة في الحاجات المنزلية فهي 8% مقابل 11%.

خلال العام 2005 وصلت المساحة المزروعة بالنباتات المطورة جينيّاً إلى 47 مليون هكتار في الولايات المتحدة الإميريكية ، 17 مليون هكتار بالأرجنيتن ، 10 ملايين هكتار بالبرازيل، 7 مليون هكتار بكندا و 4 مليون هكتار بالصين. وهذا على إزدياد مطّرد.

وصل إنبعاث ثاني أوكسيد الكاربون السنوي في العالم إلى 43000 مليون طن متري، 28000 مليون طن منها تنبعث من إستخدام الطاقة. 35 % من هذه الإنبعاثات تحصل في آسيا وأوسيانيا ، 25 % من أميركا الشمالية ، 17 % من أوروبا ، 1 % من دول اليوروأسيوية ، 5% من الشرق الأوسط و 4% من أفريقيا وأميركا الوسطى والجنوبية.

سوف يزداد أنتاج الإيثانول من 30 مليار ليتر في عام 2000 إلى 114 مليار ليتر في عام 2012.

سوف يزداد إستهلاك المازوت الحيوي من 3,8 مليار ليتر في 2004 إلى 50 مليار بحلول عام 2012.

ستزيد الولايات المتحدة الأميركية، وهي أكبر منتج للذرة في العالم ، الإستخدام السنوي للذرة خلال السنوات الخمس القادمة لإنتاج الوقود من 75 إلى 110 مليون طن وللتصدير من 50 إلى 60 مليون طن. بينما سيبقى إستخدام الذرة للأعلاف بحدود 150 مليون طن وللإستهلاك الآدمي بحدود 35 مليون طن .

أطلق الإتحاد الأوروبي برنامج أنتاج الوقود الحيوي المعتمد على إستخدام بقايا النباتات والحيوانات التي لا تستخدم للطعام .

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية برنامج أنتاج المازوت المتجدد بتحويل الدهون الحيوانية من الأبقار والخنازير والدواجن.

هنالك مشروع ضخم يتم إعداده لتشجيع الدول الأفريقية لزراعة نبتة الجاتروفا والتي تحوي بزورها على 34 % من الزيت . وهذا الزيت يمكن بعد تصفيته إستخدامه كالمازوت تماماً .

فما هي الإستنتاجات التي يمكن إستخلاصها من الأرقام والإحصاءات الآنفة الذكر:

كان العالم توماس مالتوس مخطئاً منذ 250 عاماً عندما أكد عدم قدرة العالم على إنتاج غذاء يكفي الزيادة في عدد السكان . أنه خلال الأربعين عام السابقة تخطت الزيادة في أنتاج الغذاء الزيادة في عدد السكان بأشواط . فعدد السكان إزداد 93% بينما أزداد انتاج المواد الغذائية بنسبة 122% للحبوب والبذور الزيتية ، 287 % للخضروات 47 % للجذريات والدرنيات ، 150 % للفاكهة ، 36 % للبقوليات ، 73 % للألبان ، 219 % للحوم ، 182 %للأسماك و 268 % للبيض . كل ذلك حدث مع التطورات التكنولوجية .

إضافة إلى كونه نادراً ودون بديل، فأن مصادر الماء غير موزعة توزيعاً سليماً مع فوروقات فاضحة بين المصادر والتوزيع السكاني . فأفريقيا وآسيا التي تحوي 36% من الماء العذب سيتركز فيها النمو السكاني مستقبلاً . لذلك وجب الدعوة إلى الوعي في إستخدام الماء لأغراض الري والإستهلاك المنزلي بالترشيد والتحلية . علينا تشجيع الزراعات المطرية. علينا أيضاً ان ننتقل من إستعمال الماء المفرط إلى الكفاية ثم إلى الإنتاجية .

سيزداد دخل الفرد اليومي في العالم من 14 دولاراً في عام 2000 إلى 20 دولاراً في 2017 . أما في الدول المتقدمة فسوف يزداد من 77 إلى 108 دولاراً بينما في الدول النامية من 4 الى 8 دولارات يومياً . هذا سيزيد من الإنتقال إلى المدن ويغيّر الانماط الغذائية ويرفع من الإستهلاك في الدول النامية . أما في الدول المتطورة فأن هذه الزيادة ستولد هموماً بالغذاء الصحي وبالسلامة الغذائية والملأمة والإقتفاء والأداء الحسن. أن الزيادة في إنتاج وإستهلاك الوقود المتجدد سيخفّض من إنبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون وسيصحح الإنحباس الحراري.

هنالك حوالي 1000 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة التي يمكن زراعتها في الدول الأكثر تقدماً في الزراعة في العالم لإنتاج الغذاء والألياف والوقود.

ما هي الحلول المنتظرة

هل بإمكان ثورة خضراء جديدة أن تنبعث لتعيد إحياء الزراعة وتلاقي كل هذه الطموحات ؟ نعم بإمكانها بل يجب عليها . لكن في هذه المرة على القطاع الخاص أن يحقق هذه الطموحات مستنداً إلى حوافز الحكومات مدعومة بتشريعات مؤكدة ومستديمة .أن القطاع الخاص يستطيع وسيأخذ على عاتقه أكثر المسؤوليات تعقيداً شريطة أن يكون طريقه ممهداً خالٍ من العراقيل وأن يكافأ مكافأة مادية عادلة على مجهوداته. وعليه أن أول مبدأ يجب إعتماده هو " مصلحة المواطنين". فإذا لم تحيك الحكومات قراراتها وقوانينها مستندة إلى مصلحة كل شرائح مجتمعاتها بالتساوي ، بما فيهم المتعاطون بالزراعة ، فأنه من الصعب أن يتحقق التطور . وبالتالي فأن إقتصاديات هذه الدول ستبقى مختلّفة.

لقد فهمت الولايات المتحدة وأوروبا هذا المبدأ منذ زمن طويل . فلجؤا إلى حماية ودعم مزارعيهم لإبقائهم عاملين بحماس وسرور لتأمين غايات وحاجات أوطانهم من الأمن الغذائي والإبداع وتحسين الإنتاجية وسلامة الغذاء وتخفيف الكلفة وحماية البيئة . لقد عهدت الولايات المتحدة وأوروبا مؤخراً إلى ذات المزارعين مهمة إنتاج الوقود المتجدد من خلال التمويل والحوافز المادية . ففي الولايات المتحدة الإميركية هنالك "قانون الزراعة" الذي يعاد النظر به مرة كل خمس سنوات من أجل التأكد من المعاملة العادلة والدخل اللازم لهؤلاء المزارعين بينما هم يسعون للوصول إلى الأهداف المرسومة . لقد فاقت المساعدات والدعم السنوي في الولايات المتحدة للمزارعين مبلغ الـ 180 مليار دولار. أما في الإتحاد الأوروبي فهنالك ما يسمى " بالسياسة الزراعية العامة " ، التي انشئت منذ أربعين عاماً، التي تعاد صياغتها وزيادة المبالغ المخصصة لها من حين إلى آخر إلى أن فاقت الخمسين مليار يورو سنوياً.

فكلا الولايات المتحدة الإميركية والإتحاد الأوروبي يقفان موقفاً متصلباً من دعم مزارعيهم مبرّرين هذه السياسة بالأسباب التالية :

تأكيد تامين تدفق ثابت من المواد الغذائية السليمة بأسعر طبيعية للمواطنين. توفير مستوى معيشة لائق للمزارعين بينما هم ساعون لتحديث وتطوير منشآتهم . التأكد من أن الزراعة تعّم كل المناطق . التأكد من أن البيئة محافظ عليها. توفير عناية صحيّة أفضل والرفق الصحيح للثروة الحيوانية . منع هجر الأرض ومنع تجريد التربة بالمناطق الريفية. منع البطالة وتدني مستوى المعيشة في المناطق الريفية.

بالرغم من ضخامتها، فان الدعم الزراعي في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لا يتعدى 0.5 % من الدخل القومي . المشكلة تقع في الدول النامية والفقيرة حيث الدخل القومي منخفض والقدرة على الدعم معدومة. من هنا فأنني لا أرى مبرراً معقولاً يدفع بالدول النامية للإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية إلا بشروطها هي. لا يمكنني لوم الدول المتطورة على سياسة الدعم التي تجذب الإبداع والإنتاجية والكفاءة والتقدم التكنولوجي . لكن يمكنني ان ألوم الدول النامية ، ومن ضمنها الدول العربية ، لإندفاعها للإنضمام لمنظمة التجارة العالمية ولإندفاعها للتوقيع اتفاقيات تبادل حر ثنائية دون أخذ مصالح مزارعيهم بالإعتبار . أنها ليست دعوة لغلق الحدود لكنها رسالة كي تطبق معظم الدول النامية الخطوات الحمائية المتوفرة وكي يطبق بعضها القليل القادر خطوات الدعم تماماً كما تفعل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.

تستمر الزراعة لتلعب دوراً مسيطراً في إقتصاديات الدول النامية بما فيها الدول العربية . ففي السنوات القليلة السابقة شهدنا إنخفاض حصة الزراعة في الدخل القومي لمعظم دول العالم . لكن في الدول النامية هنالك هوّة واسعة بين معدّل الإنخفاض في حصة الزراعة من الدخل القومي وحصة اليد العاملة الزراعية . ففي هذه الدول هنالك 60-65 % من اليد العاملة منشغلة بالزراعة بينما حصة الزراعة من الدخل القومي انخفض من 40 الى 20% خلال الخمس وعشرين سنة المنصرمة. هذا الواقع يستدعي الإهتمام الفوري لتعديل السياسات من أجل تحسين فرص التوظيف في الزراعة . لو نظرنا إلى سبب تخلف بعض المناطق عن غيرها لأمكنا الإستنتاج بأن التكنولوجيا ليست العائق الجدّي لها . لكن السياسات والحوافز هي الناقصة . من المفيد أن نعلم بأن مستوى التوظيف والرأسمال بالزراعة هو في تدنٍ خلال العقد السابق وهذا ادى إلى ركود الإنتاج والإنتاجية . بالرغم من التقدم المحسوس لعديد من الدول النامية في توفير الأمن الغذائي لملايين من المواطنين ، إلا أن الحالة الإقتصادية للمزارعين لم تتحسن . بسبب زيادة عدد السكان بشكل غير مسبوق خلال الخمسين سنة المنصرمة ، وبسبب عدم توفرّ فرص العمل في المرافق غير الزراعية لإستيعاب العدد المتزايد من الناس ، فان عدداً خرافياً من السكان يظل يعتمد على الزراعة الأمر الذي يؤدي إلى تجزئة الأراضي وإنخفاض الدخل بشكل ملموس . فإذا لم تؤدي الثورة الخضراء الثانية التي تحدثنا عنها إلى تحسين حالة المزارعين فأن النمو في الزاعة لن يدوم . على الدول النامية أن تجد المصادر اللازمة للتوظيف في الزراعة والمناطق الريفية حيث ان في هذه الدول يقطن معظم سكان العالم وجلّهم فقراء وحيث ثلاثة ارباع الثلاثة مليارات نسمة التي ستضاف إلى سكان العالم خلال الأربعة عقود القادمة سيتواجدون . في غياب التوظيف الازم بالتكنولوجيا والبنية التحتية والتعليم والإرشاد والتسويق سيصعب تحسين دخل المزارعين. فالسخرية هي ليس أن المزارعين فقراء لا يستطيعون التوظيف لكن الحكومات هي فقيرة أيضاً . وبالرغم من ذلك فالتوظيفات يجب أن تحصل كما حصلت في العقود الخمسة المنصرمة بالرغم من كل العوائق.

الخلاصة

يبدو أن الثورة الخضراء الأولى التي كانت كثيفة الزاد ، قد اصابها التعب بالرغم من أنها وفرت الأمن الغذائي للعالم . لذلك وجب توفير الرساميل اللازمة لتوظيفها في المحافظة على التربة والتكنولوجيا البيئية . على الحكومات أن توظف بالبحث والتطوير بالتكنولوجيا الحيوية لإنتاج بذور متطورة وغيرها من الشؤون الهامة. علينا أن نعيد النظر بالتعليم الزراعي والإرشاد ونقل التكنولوجيا من أجل تحسين الإنتاجية وزيادة إستخدام التكنولوجيا في الأراضي المغمورة بالمياه يجب أن يحصل التوظيف في الريّ وفي البحث في الإستخدام الأفضل للمياه, علينا ان نحمي ونحسن التربة بالمناطق المشّبعة عن طريق نقل التكنولوجيا المناسبة وأخذ الخطوات التي تمنع الفياضانات والإنجرافات . على الدول النامية، ومنها الدول العربية ، أن توظف في تطوير الزراعات المطرية لأن الاراضي الجافة تمثل 60% من مجمل الأراضي التي تزرع في العالم وعليها أن تساهم في الأمن الغذائي في المستقبل. علينا أن نوظف في التكنولوجيا الخاصة بتأهيل البذور الخاصة بالزراعة المطرية ذلك أن المحافظة على الماء وإستخدامه بصورة كفؤة هي أساسية في تطوير الزراعة في المناطق الجافة. لقد ساهم الإنتاج الحيواني والاسماك في الدخل القومي الزراعي في عديد من الدول . يجب ان يشهد هذين القطاعين تركيزاً أضافياً بالتوظيفات بالصحة الحيوانية وبالتصنيع ذلك أن القطاعين يعتبران سنداً للمزارعين في سنيّ الجفاف . وأخيراً على الدول المتطورة أن تلعب دوراً هاماً بتوفير الأسواق للمزارعين في الدول النامية وبتوفر الشروط التجارية العادلة لمنتجاتهم.

أمّا لبنان، وهو أحد الدول العربية واحد الدول النامية ، فقد أنتهج سياسة سلبية تجاه الزراعة منذ عام 1992 . فالحكومات المتعاقبة إعتمدت سياسة ترك الزراعة لمواجهة المنافسة الخارجية أو الإضمحلال . من الطبيعي ، ومع إرتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج المتنوعة ، أن تتراجع الزراعة وصناعة المواد الغذائية . هذا أدى إلى هجرة المزارعين الى المدن او حتى هجرة الشباب والمتعلمين إلى خارج لبنان. وعليه فأن لبنان لن يكون له شرف المشاركة في الثورة الخضراء الثانية لكنه وبالضرورة سيصبح متلقّ لمنتجات هذه الثورة أكانت غذاء أو ألياف أو وقود . وببساطة تامة سيكون لبنان مستهلكاً فقط.

وفي النهاية دعوني أقول بأن العالم سوف يواجه تحديات الزيادة السكانية بنجاح ليس فقط بتوفير الكفاية من الغذاء والألياف والأعلاف والوقود الحيوي ، بل بتحسين نوعية وسلامة هذه المنتجات من أجل صحة الناس وسلامة بيئتهم . وسوف تقوم بهذه المهمة المباركة دول جادة كالدول الصناعية والمتطورة يلتحق بها بعض الدول النامية التي أنعم الله عليها بقيادات بعيدة النظر خلافاً لعديد من الدول النامية ومنها معظم الدول العربية وفي طليعتها لبنان