تنشيط الاقتصاد اللبناني في ظل الظروف الراهنة والتوجهات العامة للسياسة الزراعية

April 27, 2001 Musa Freiji Articles

مقدمة منذ أن استتب الأمن في لبنان إلى الحد الأدنى المطلوب في عام 1991 وبعد أن انتهت الدولة من توفير البنية التحتية وبعد زوال تخوف المواطنين من انهيار الليرة اللبنانية أمام العملات الصعبة بدأت اهتماماتهم تتجه بشكل رئيسي نحو دخلهم ومجارات هذا الدخل لاكلاف المعيشة. أي أصبح الوضع الاقتصادي شغل الناس الشاغل خاصة في غياب سياسة اقتصادية واضحة تعتمدها الدولة للخروج من الضائقة المعيشية التي يعاني منها المواطن.

في سعيها لتمويل إعادة بناء البنية الأساسية اعتمدت الدولة سياسة الاقتراض الداخلي عن طريق طرح سندات الخزينة مقابل فوائد مرتفعة جدا. كما وضعت القوانين المصرفية التي تلزم المصارف بصورة مباشرة وغير مباشرة لاستثمار كل مدخراتها من المواطنون لدى خزينة الدولة ثم اعتمدت سياسة الاقتراض من دول أخرى وبيع سندات الخزينة خارج لبنان.

ومع أننا لا نرى غضاضة في هذا الإجراء من حيث المبدأ لابد من التنويه إلى آمرين: الأول هو الهدر الذي حصل في خطوات تنفيذ معظم مشاريع البنية الأساسية والثاني هو تنفيذ بعض المشاريع قبل أوانها أو على حساب مشاريع أخرى أكثر إلحاحا وأهمية للمواطن الخارج من خمسة عشر سنة من الحرب والدمار.

ولو تفحصنا المشاريع التي قام بها القطاع الخاص من عام 1991 حتى الآن لرأينا أنها اقتصرت في معظمها على قطاع البناء نتيجة الاستقرار الأمني من جهة وخوفا من التضخم من جهة ثانية ناهيك من أن فرص الاستثمار الأخرى غير واضحة النتائج. إن محاولات الاستثمار الأخرى التي نفذت خلال العشر سنوات الفائتة، صناعية أو زراعية أو سياحية فشلت في معظمها لأن مناخ الإستثمار السليم لم يكن متوفراً.

أما القطاع المصرفي وهو القطاع الذي أثبت نجاحه واستقراره في هذه المرحلة فقد قطف ثمار سياسة الدولة الاقتراضية وأصبح شريكها في تنفيذ خططها الاعمارية والوسيط الذي يجمع أموال الناس مقابل عمولة مضمونة لا مخاطرة فيها. لكن باسترخائه هذا فإنه قطع الطريق على القطاع الخاص للاستدانة بغية تمويل المشاريع المنتجة صناعية كانت أم زراعية أو سياحية.

من هنا يتضح أن تمويل المشاريع الاستثمارية لابد أن يتوفر من خارج لبنان. هذا يعني أن على المستثمرين أن يوفروا المال اللازم لاستثماراتهم من مدخراتهم الخاصة أو على حساب استثماراتهم الأخرى خارج لبنان أو من قروض تمولها مصارف خارج لبنان أو من فئات متنوعة من هذه المصادر. لكن للمستثمرين شروطهم للإقدام على الاستثمار في لبنان أهمها:

1- مزيد من الأمن 2- العدالة وحزم القضاء في فرض القانون. 3- الإصلاح الإداري والقضاء على الرشوة والتسيّب واستغلال المناصب والمحسوبية. 4- سهولة الحصول على التراخيص المختلفة اللازمة. 5- العائد الاقتصادي الملائم للاستثمارات.

وإذا كانت الشروط الأربعة الأولى والتي تتعلق بالمناخات المطلوبة لتشجيع المستثمرين هامة جدا فإننا في هذا البحث سوف نركز على الشرط الخامس.

من المعروف أن أي مستثمر يتطلب عائدا مشجعا كي يقدم على الاستثمار في أي مكان من العالم. والعائد المشجع هو نسبي بطبيعته. أي على العائد أن يكون مساو في أسوأ الأحوال للعائد الذي يحصل عليه من استثمارات مماثلة في بلدان أخرى.

يتأثر العائد بعوامل كثيرة أهمها:

مستوى التعرفات أو الإعفاءات الجمركية على مستلزمات المشروع المراد إنشاؤه وعلى مستلزمات الإنتاج فيما بعد. أ - مستوى الرسوم المختلفة على خطوات التأسيس والتسجيل والتراخيص. ب- أسعار الأراضي أو المحروقات والكهرباء ومستلزمات الإنتاج المتوفرة محليا. ج- أجور اليد العاملة العادية والماهرة والإدارية والفنية. د - الضرائب المباشرة وغير المباشرة. هـ- المنافسة الداخلية. و- مستوى حماية الإنتاج المحلي. ز-

لو تفحصنا العوامل المذكورة لرأينا أن جّلها يؤثر في كلفة الإنتاج بصورة مباشرة وفي الربحية بصورة غير مباشرة. المنافسة الداخلية هي شرّ لابّد منه بل هي ضرورة لاغنى عنها في تحسين النوعية وتخفيف الأسعار. إنها منافسة مشروعة ويجب تشجيعها.

أما المنافسة مع المنتجات المستوردة فهي قضية أخرى لابد من معالجتها معالجة حكيمة ودقيقة، معالجة تعتمد في رأيي على الحماية بصورة واضحة وصريحة.

سياسة الحماية مبدأ الحماية هو مبدأ مشروع تمارسه كل الدول دون استثناء ولا تحرّمه أية قوانين دولية. والحماية هي سياسة دفاعية تفرضها بالضرورة سياسات هجومية. من هنا يمكن اعتبار الحماية عمل مشروع لأنه عمل دفاعي مسالم بينما دفع الفائض من إنتاج أية دولة على دولة أخرى دون اختيار حر لهذه الأخيرة يعتبر عملا هجوميا عدوانيا مهما كانت الاعتبارات. لو اكتفت كل دولة في إنتاج ما تحتاج إليه من كل مادة تستطيع إنتاجها وأنتجت فائضا يطلب منها فقط لما كانت حاجة لا لفرض تصدير الفائض بالدعم أو بالتهديد ولا لجأت الدول المستوردة لأخذ احتياطات الحماية لدرء مخاطر المستورد المدعوم. بل كانت التجارة العالمية عرضة للعرض والطلب بصورة كيفية مسالمة. لكن شتان ما بين هذا الافتراض المثالي وبين الواقع المرير. فلماذا يا ترى تستمر الدول الصناعية في إنتاج فائض عن حاجتها، فائض غير مطلوب بصورة تلقائية ؟ السبب في رأيي هو ضيق فرص العمل من جهة والإصرار على الإبقاء على مستويات معينة في المعيشة لا ترغب الدول الصناعية في التراجع عنها.

هذان العاملان هما كافيين في نظر الدول الصناعية لفرض سياسة اقتصاديات السوق ومنع الدول المقاومة ، وهي في الغالب دول نامية ، من حماية اقتصادها لأن الحماية من شأنها أن تنمي صناعات هذه الدول وبالتالي تغنيها عن الاستيراد . وإذا انكمش اقتصاد هذه الدول وزادت البطالة وضاق ذرعها فهي لن تتردد في شن الحرب التي تكفل ضرب مصالح الدول المقاومة من اجل استعادة مكانتها وإعادة إنعاش اقتصادها. فكم من حرب جرت في التاريخ القديم والحديث بسبب الضائقات الاقتصادية.

للحماية إذن مبررات أهمها:

غالبا ما نرى أن قيمة المنتج المصدر مدعوم الأمر الذي يجعل هذه القيمة اصطناعية وبالتالي اغراقية للمنتج المحلي في البلد المستورد. في هذه الحالة تستوجب الحماية لصد التنافس غير المشروع. وللدعم أشكال مختلفة فمنه الدعم المالي المباشر على الصادرات كما تفعل معظم الدول الأوروبية، ومنه دعم الإنتاج لتخفيف كلفته كما تفعل الولايات المتحدة واليابان وكندا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، ومنه دعم تكلفة نقل الصادرات كما تفعل الولايات المتحدة وإسرائيل. والدول التي ذُكرت في هذه الحالات ذُكرت على سبيل المثال لا الحصر. أولا: تطوير اقتصاديات الدول النامية ونقلها من حالة النمو إلى حالة التصنيع وخلق فرص العمل لمواطنيها سواء فرص الاستثمار أو فرص التوظيف. فمن المسلم به أن أي مستثمر يتطلب فرص الربح شبه المؤكدة والتي لا تتهدد بفعل عوامل خارجة عن إرادته وخاصة منافسة المستورد. ثانيا: الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس وخاصة في إنتاج الغذاء لإحداث ما يسمى بالأمن الغذائي. فالدول التي لا تنتج غذائها أو معظم غذائها إنما تحكم على نفسها بالتبعية وتعرض حريتها واستقلالها وأرادتها الوطنية لمخاطر جمة. ثالثا:

تلجأ كل الدول التي تستطيع تطبيق الحماية إلى هذا التدبير دون تردد. فالدول الصناعية المتقدمة كالولايات المتحدة وأوروبا الغربية وكندا واليابان تطبق الحماية بشكل حذر وتوازن بين مصالحها الإنتاجية والتصديرية ومصالح مستهلكيها.

فالمد والجزر بين الدول الصناعية لم يهدأ منذ عشرين سنة.

فأوروبا لم تتوقف عن دعم إنتاجها الزراعي ودعم صادراتها من هذا الإنتاج بالرغم من احتجاجات الولايات المتحدة. وهي في ذات الوقت تقوم بتصدير السيارات والإلكترونيات وعديد من الصناعات المتطورة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها. واتفاقية الجات التي وقعتها أخيرا هذه الدول لم تدخل حيز التنفيذ إلا في نهاية عام 1997 وهي ستظل تحمل قدرا كبيرا من الحماية بأشكال متعددة.

وكندا هي بلد صناعي متطور وجار للولايات المتحدة قاومت حتى الآن ضغوط الولايات المتحدة في فتح حدودها للمنتجات الزراعية الأمريكية وظلت تؤجل هذا التدبير إلى أن وقعت في عام 1992 اتفاقية التجارة الحرة بينها وبين الولايات المتحدة والمكسيك والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1996. وهذه تشمل تعرفات جمركية يصل بعضها إلى 250% حتى عام 2001 حيث بعدها يعاد النظر بهذه التعرفة بالتفاوض. فانصياع الدول المتقدمة لبعض جوانب اقتصاديات السوق وليس لكلها لم يأت إلا بعد مقاومة دامت عشرات السنين استطاعت خلالها تطوير صناعاتها وزراعاتها وهيأت بذلك لمستثمريها المناخ الملائم للاستثمار واكتساب الخبرات وتحسين الإنتاج وتخفيف كلفته قبل أن توافق على فتح باب التبادل شبه الحر مع الدول الصناعية الأخرى.

وبعض الدول النامية كالسعودية مثلا تطبق الحماية على شكل واسع لأنها لا تخشى على صادراتها من الانكماش وهمها الأوحد هو تطوير صناعاتها وزراعاتها المحلية والوصول إلى الاكتفاء الذاتي بكل الوسائل بما فيها الدعم غير المحدود.

أما الدول النامية والتي تود تطبيق الحماية لكنها تواجه صعوبات وحتى عقوبات فهي إما تلك التي تنوء تحت ثقل المعونات والقروض من الدول المتقدمة التي تقوم بشهر سلاح المعونات أو القروض للضغط عليها ومنعها من استخدام الحماية كوسيلة لتطوير مشاريعها الصناعية والزراعية، أو هي من الدول النامية ولديها فائض من بعض المنتجات يتحتم عليها تصديره خدمة لاقتصادها.

ومعظم الدول العربية هي من بين هذه الدول النامية التي لا تستطيع المقاومة بشكلها المطلق الحر لأن سلاح منع المعونات والقروض جاهز ومشهور عليها من جهة ولديها بعض المنتجات الزراعية والصناعية الفائضة من جهة أخرى الأمر الذي يجعلها تقبل باقتصاد السوق من حيث المبدأ لكن تسعى لتطبيقه بحذر وعناية فائقين.

الحماية إذن هي واجب لأننا أمام استثمارات ضخمة مطلوب توفيرها وقاعدة واسعة للعمالة الماهرة والفنية لابد من المحافظة عليها. والحماية هي مسؤولية لأن مصلحة الدولة بظل الظروف السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم تتطلب منا الواقعية والتعقل.

فكيف يمكن للبنان أن يتعامل مع المعادلة الصعبة، معادلة تطوير اقتصاده مع فتح باب الاستيراد عملا باتفاقية منظمة التجار العالمية من جهة وخدمة لمصالحه القومية من جهة ثانية. هذا هو التحدي.

لو نظرنا إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية لرأينا إنها لا تقفل الباب أمام الحماية بشكل سافر لكنها تعطي الدولة مهلة انتقالية لتغيير مسار اقتصادها. إذن علينا أن نستخدم هذا المخرج لإنقاذ اقتصادنا وإحداث المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية.

والمخرج لا يكون في استغلال المهلة المعلنة بل يكون في اعتماد استراتيجية متكاملة ترتكز على مبدأين:

وضع خطة مفصلة ومدروسة لتطوير المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية. أولا: اعتماد سياسة مدروسة لحماية الإنتاج الوطني من منافسة المستورد ترتبط بجدول زمني يتماشى وسياسة الدولة المعلنة مع ما يمكن أن يضاف إليه من تمديد. ثانيا:

إنني على بينة من سياسة لبنان المعلنة بصراحة وهي اعتماد اقتصاديات السوق وفتح باب الاستيراد والتصدير على مصراعيه في فترة قريبة من الزمن ومن خلال فترة انتقالية محدودة. إذن يجب على الخطة المشار إليها أن توصلنا إلى هدفنا المنشود.

لقد بدأت الدولة بالفعل المباحثات لتوقيع اتفاقيات دخول لبنان في منظمة التجارة العالمية. لكن لابد من التحذير هنا على أن قوانين هذه المنظمة لا تسمح لأعضائها باعتماد سياسة منع الاستيراد من الدول الأعضاء الأخرى وهي تعارض بشدة الإجراءات المعيقة للتبادل التجاري الحر أو شبه الحر مثل فرض أجازة الاستيراد المسبقة أو اعتماد مواصفات قياسية غير مألوفة الخ …

لكن المنظمة تصنف الدول إلى فئات اقتصادية لعّل لبنان يقع فيها موقع الدول النامية. وتعطي لكل فئة مميزات تسمح لها بالنهوض باقتصادها. لذلك على لبنان أن يستفيد من هذه المميزات ويستغلها أحسسن استغلال.

يحضرني من هذه المميزات السماح باعتماد تعرفات جمركية يتم التفاوض بمستواها والتدرج بتخفيضها على مدى زمني معين إلى الحد الأدنى الذي يمكن الإبقاء عليه بعد انقضاء هذه المدة الزمنية.

ومن المعروف أن المنظمة نادرا ما تسمح برفع مقدار التعرفة لأي مادة عن مستواها المعمول به عشية التفاوض. بل هي تنطلق باعتماد التعرفة المعمول بها وتحاول تخفيضها خلال سنوات محددة إلى أدنى مستوى ممكن.

لذلك أرى في هذا الصدد أن الوقت قد حان لكي تحزم الدولة أمرها وتعتمد سياسة الحماية كأساس ومنطلق لتحفيز الاستثمار وخلق المشاريع المنتجة. ولعّل هذا التدبير في نظري هو التدبير الوحيد الذي سيشجع المستثمرين اللبنانيين والعرب والأجانب من نقل أموالهم واستثمارها في لبنان.

وللحماية أشكال متعددة. منها ما قد أصبح غير مقبول لمنظمة التجارة العالمية كمنع الاستيراد مثلا أو حتى إخضاع المستورد إلى أجازة استيراد مسبقة ومنها ما هو مقبول. لهذا سوف نركز على إجراءات الحماية المقبولة ونرى أن يصار إلى اعتمادها دون تردد أو تأجيل للاستفادة من الوقت الممنوح لمثل هذه التدابير من الحماية وأهمها:

وضع تعرفات جمركية مرتفعة لكل المنتجات التي يتم إنتاجها في لبنان أولها فرصة للإنتاج يتم إقرارها من قبل الجهات المختصة ووضعها موضع التنفيذ لأطول فترة زمنية ممكنة. أولا: وضع المواصفات القياسية لكل فئة من فئات المنتجات الصناعية والزراعية والطلب من السلطات الجمركية عدم السماح لهذه المنتجات بالدخول إلا بعد الحصول على موافقة الوزارة المختصة التي تحدد الصنف ومطابقة المنتج المراد استيراده بالمواصفات القياسية الموضوعة. ثانيا: وضع رسم إغراق يتم دراسته لكل فئة من فئات المنتجات الصناعية والزراعية المراد استيرادها يعادل نسبة الدعم الممنوح في البلد المصدر. يتم تحديد هذا الرسم على أساس الفرق بين سعر مبيع المنتج في بلد المنشأ وسعره واصلا إلى لبنان. ويصدر عن المجلس الأعلى للجمارك لوائح فصلية بسعر مبيع المنتجات في بلدان المنشأ التي ترغب في التصدير لكي تحدد رسم الإغراق بموجبها. ثالثا:

كثيرا ما نسمع من وزير الاقتصاد ووزير المالية أن سياسة الحكومة لا تقبل من حيث المبدأ اعتماد أية إجراءات حمائية لأي منتج إلا إذا كانت القيمة المضافة لهذا المنتج أعلى من 50% . كما يردد الوزيران بأن الحماية ممكنة شريطة إلا يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.

وعلى هذين الشرطين أعلق بما يلي:

1- سينتج عن خطوات الحماية ارتفاع لأسعار المادة المحمية لفترة محدودة والى حين تفعل المنافسة الداخلية فعلها وتخفف الأسعار فتزول معها الزيادة المفروضة على المادة المستوردة. لكن بقبولنا ارتفاع الأسعار لفترة وجيزة نكون قد أحدثنا مشاريع منتجة توفر العمل لطالبيه وتخفف من البطالة كما نكون قد رفعنا البلد إلى مصاف الدول الصناعية بصورة تدريجية.

2- لو تم تطبيق القيمة المضافة على اليابان مثلا وهي من أهم الدول الصناعية في العالم لما كان في اليابان صناعة على الإطلاق وهي البلد الذي يستورد معظم مستلزمات إنتاجه الصناعي من البلدان الأخرى. لكن اليابان اعتمدت سياسة الحماية في بادئ الأمر وشجعت الاستثمار والابتكار وطورت بذلك صناعتها بصورة مدهشة. أي أن خطوة الحماية كانت الحافز الأول الذي أوصل اليابان إلى أرقى دولة صناعية في اليوم.

3- أن أية زيادة في كلفة المعيشة نتيجة إجراءات الحماية سوف يقابلها لا محال زيادة في دخل العاملين وهذا ما حدث بالفعل خلال سني الحرب الأهلية في لبنان. فالأحرى بأن تستمر هذه السياسة وبصورة تلقائية في سني السلم. وطالما أن الزيادات في الأجور سوف تعادل الزيادات الناتجة من ارتفاع الأسعار فأين الضرر منها. وبهذا الصدد لابد من التنويه على أن اكلاف المعيشة تختلف من بلد لبلد آخر وكذلك يختلف الحد الأدنى للأجور. لكن المهم في نهاية المطاف أن يصبح المكلف قادرا على مواجهة أكلاف معيشته مهما بلغت بدخل يكفيه ويزيد عنه.

لهذه الأسباب لا أرى مخرجا للضائقة الاقتصادية التي يمر بها لبنان سوى الحماية من أجل تحفيز الاستثمار وتنشيط الاقتصاد.

التوجيهات العامة للسياسة الزراعية في لبنان يعاني القطاع الزراعي في لبنان من مشكلات حادة تعود لسببين رئيسيين :

أ - كلفة إنتاج مرتفعة . ب- غياب الحماية عن المنتجات الأقل كلفة من دول متعددة .

يتركز رأيي في التوجه المطلوب للسياسة الزراعية في لبنان حول محورين : المحور الأول هو في مساهمة الدولة في تخفيض كلفة الإنتاج والمحور الثاني هو في مساهمة الدولة في حماية الإنتاج الوطني من المنافسة الخارجية ، على أن يترك للقطاع الخاص مهمة القيام بكل الأدوار الأخرى في ظل وعلى ضوء الإجراءات والتشريعات التي تكون الدولة قد اعتمدتها بالتعاون مع القطاع الخاص من أجل تحقيق الأهداف المرجوة .

أولاً : كلفة الإنتاج المرتفعة

أسباب كلفة الإنتاج المرتفعة كثيرة أهمها : 1- الكلفة المرتفعة للطاقة . 2- الكلفة المرتفعة للمحروقات . 3- الحد الأدنى للأجور وكلفة اليد العاملة المرتفعة . 4- الرسوم المرتفعة للضمان الاجتماعي. 5- سياسة دعم ثلاثة منتجات زراعية .

اللافت للانتباه هو أن حل كل هذه الأسباب الرئيسية هو في يد الدولة وليس المنتج . من هنا فأن على الدولة المساعدة في تخفيض كلفة الإنتاج الزراعي عن طريق : • تخفيض كلفة الطاقة الكهربائية إلى حدود كلفتها الحقيقية . • تخفيض قيمة المحروقات إلى حدود كلفتها الحقيقية . • إلغاء الحد الأدنى للأجور . • تخفيض الرسوم المتوجبة للضمان الاجتماعي إلى حدود المعمول بها لدى دول الجوار. • تعديل سياسة دعم المنتجات الزراعية الثلاث وهي التبغ والشمندر السكري والقمح لتشمل منتجات زراعية وحيوانية أخرى أو إلغاء هذا الدعم بصورة تدريجية خلال فترة زمنية مدروسة .

ثانياً : دعم الإنتاج للاستهلاك المحلي

تنج عن دعم ثلاثة منتجات زراعية بعينها أن تهافت المزارعون على زراعتها وتسابقوا على استئجار الأراضي المروية حتى أصبح سعر إيجار الدنم يفوق المايتي دولار سنوياً .

من مساوئ حصر الدعم هي :

التسبب بارتفاع كلفة إنتاج المزروعات الأخرى كالخضار والبقولات . أ ) امتناع المزارعين عن زراعة المنتجات الأخرى . ب) عدم الاستفادة من الدعم إلا في مناطق محدودة . ج)

لذلك وإذا كانت الدولة قادرة على دعم المنتجات الزراعية فعليها أن تعدّل من سياستها بحيث يشمل الدعم كل المنتجات التي تستهلك محلياً في كل المناطق اللبنانية وتشمل الإنتاج النباتي والحيواني على السواء .

إن نجاح سياسة دعم المنتجات الزراعية لغرض الاستهلاك المحلي تبقى غير مؤكدة إذا لم يتم ضبط الحدود البرية مع سوريا .

ثالثاً : دعم التصدير

لما كانت كلفة الإنتاج في لبنان مرتفعة كما أسلفنا فإنه من الصعب على المنتجات الزراعية اللبنانية أن تصل للأسواق الخارجية دون دعم من الدولة .

من المعروف بأن للدول المستوردة الحق في وضع رسم إغراق يوازي قيمة الدعم الممنوح للمنتجات المدعومة المصدرة عملاً باتفاقية منظمة التجارة الدولية وعملاً بالإجراءات الحمائية التي تتبعها كل الدول لحماية إنتاجها المحلي من تهديد مصطنع كالدعم . من هنا قد يصبح دعم الصادرات إجراء لا نفع منه ولن يسمح للصادرات الزراعية بالوصول إلى الأسواق المستهدفة .

من جهة أخرى فإن الدعم سيشجع إنتاج المنتجات المدعومة وزيادتها إلى مستويات عالية تجعل أسعارها المعروضة للسوق المحلي أو التصدير متدنية بحيث لا تعود على المزارعين بالنفع المرجو منها وبالتالي يصبح الدعم في هذه الحالة دعماً للمستهلك في بلد المقصد .

رابعاً : في الدفاع عن سياسة الحماية

1) لما كان لبنان يستورد أكثر من عشر مرات ما يصدر فانه من الحكمة والبديهي بأن تعطى الأولوية لتخفيض حجم الاستيراد واستبداله بإنتاج محلي بدلاً من التركيز على زيادة الصادرات ذات الكلفة المرتفعة كما أسلفنا والتي تحتاج إلى دعم للتصدير حتى تصبح أسعارها منافسة في الأسواق المستهدفة .

2) استطراداً يبدو أن الحماية الفاعلة هي الوسيلة الفضلى التي يمكن إتباعها لزيادة وتنويع المنتجات الزراعية وتصنيع بعضها ، كذلك على حساب المستوردات . يستدعي هذا التدبير من الدولة وضع رسوم جمركية مرتفعة كما أسلفنا على كل المنتجات والمصنعات الزراعية المستوردة حتى يتوفر للمنتج اللبناني الحافز الواضح والأكيد الذي يساعده على القيام بمهمة الإنتاج . سياسة الحماية هي سياسة مازالت تتبعها كل الدول وخاصة للمنتجات الزراعية وهي مقبولة من منظمة التجارة العالمية .

خامساً : التكامل مع سوريا

إن التدبير الحمائي الآنف ذكره يصبح عديم الفائدة إذا ما استمر تهريب المنتجات الزراعية والمصنعات الزراعية من سوريا إلى لبنان . وعليه وإذا تعذر على الحكومة اللبنانية وضع حد للتهريب يصبح لزاماً عليها أن تسعى لإجراء اتفاقية للتبادل التجاري الحر مع سوريا. يسمح هذا التدبير الأخير للمنتجين اللبنانيين بإنتاج المنتجات الأقل كلفة في سوريا بدل إنتاجها في لبنان والتركيز على التصنيع الزراعي وعلى تصدير المنتجات المصنعة إذا وجدوا الأسواق المناسبة لها . إذا ما تم توقيع اتفاقية التبادل التجاري الحر مع سوريا فإن ذلك يستلزم بالضرورة توحيد السياسة الحمائية للبلدين المتمثلة بالتعرفات الجمركية وتوحيد المعايير الأساسية التي تؤثر في كلفة الإنتاج.

الخلاصة

1) الكلفة المرتفعة للإنتاج في لبنان تجعل من الصعب على المنتجات الزراعية بأن تصدر دون دعم من الدولة. لكن هذا الدعم قد يقابله رسم الإغراق لدى الدول المستوردة يوازيه ويلغي مفعوله . كما أن الدعم لن يحسن من دخل المزارع في المدى المتوسط والبعيد .

2) يعترض حماية الإنتاج الزراعي المخصص للاستهلاك المحلي مشكلة تهريب المنتجات الزراعية الأقل كلفة من سوريا وفي جميع الأحوال فإنه سيرهق الدولة.

3) قيمة استيراد المواد الغذائية إلى لبنان هي مرتفعة وقد تصل إلى خمسة أضعاف ما يتم تصديره منها . من هنا وجب التركيز على تخفيض الاستيراد وتحفيز الإنتاج المحلي للحلول محل المستورد . قد تكون الحماية الجمركية هي أفضل الوسائل للوصول إلى الهدف المنشود مراعاة لشروط منظمة التجارة العالمية .

4) إذا تعذًر وقف التهريب وجب حينئذ إبرام اتفاقية للتبادل التجاري الحرّ بين لبنان وسوريا متلازمة مع توحيد الرسوم الجمركية وتوحيد معايير متعددة تؤثر في كلفة الإنتاج. باستطاعة هكذا سياسة أن تحفز المنتجين في البلدين للتأقلم معها والعمل بموجبها .