مع أن الكتاب يقرأ من عنوانه ، إنما التطرق إلى بعض التفاصيل ضروري للدفاع عن هذه النظرية .
منذ 1990 وحتى يومنا هذا ساد الإعتقاد لدى الحكومات المتعاقبة وتحديداً رؤساء الوزارات ووزارء المالية والإقتصاد بأن هنالك مسلمات يجب التشبث بها هي :
1) سياسة الإنفتاح المفرط إنما هي سياسة تشجع الإستثمار .
2) لابد للبنان من أن ينضم إلى منظمة التجارة العالمية التابعة للأمم المتحدة وإلا سوف يتأثر مستوى صادراته . ومن أجل ذلك على لبنان أن يصدر القوانين المطلوبة وعلى رأسها تخفيض مستوى الجمارك على مستورداته إلى معّدل لا يزيد عن 5 % .
3) لبنان بلد سياحي وخدماتي وأكلاف الإنتاج لديه مرتفعة لذلك لا بأس بالتضحية بالقطاعات الإنتاجية
4) هجرة اللبنانين هي مسألة تعود إلى ماقبل الحرب العالمية الأولى ويجب النظر إليها على أنها نعمة كونها تؤدى إلى تحويلات من المهاجرين إلى ذويهم من المقيمين وتعوض نوعاً ما عن العجز التجاري الحاصل دائماً .
5) أن توقيع إتفاقات التبادل التجاري الحر مع دول أخرى وإنضمام لبنان لإتفاقية المنطقة الحرة العربية بظل جامعة الدول العربية إنما يفتح الباب للمصدرين اللبنانيين أمام 350 مليون نسمة في الوطن العربي وما يماثله عدداً بأبقاع الدنيا .
فما هو واقع الحال بظل هذه السياسة :
أ- لم تهدأ الساحة اللبنانية من إضطرابات وخلافات سياسية أدت إلى زعزعة القطاع السياحي وتراجعه .
ب- أقفلت العديد من الصناعات اللبنانية كالملابس والأحذية والأدوية والخزفية ، وتراجعت صناعة الأغذية .
ج- تحولت مؤسسة إيدل التي كان يعوّل عليها تسهيل إجراءات الإستثمار وتحفيزها إلى مجّرد مكتب.لمراقبة الصادرات الزراعية المدعومة
د- تراجعت كافة الزراعات تقريباً ولم يبق منها إلا التي تتمتع بشىء من الحماية الجمركية كلحم الدواجن والألبان والأسماك، وتلك التي تدعمها الدولة دعماً مادياً مباشراً كالقمح والشمندر السكرّي
هـ - صمدت صناعة الأسمنت المحلّية بسبب منع إستيراده . كما صمد طيران الشرق الأوسط بسبب منحة ميزة تجديد أسعار تذاكر السفر على شركات الطيران غير اللبنانية وبسبب عدم تمرير إتفاقية.ألأجواءالمفتوحة
و- نجح القطاع المصرفي نجاحاً كبيراً لأن معظم دخله أتى ويأتي من سندات الخزينة والدولة تقوم بدفع.الفوائد المرتفعة نسبياً للبنوك إذن يعزى نجاح القطاع المصرفي إلى دفع الدولة فؤائد مرتفعة مقارنة مع بنوك العالم ، وبالتالي.قدرتها على إستقطاب أموال المواطنين في دول التعاون الخليجي وتوظيف هذه الأموال بخزينة الدولة والبلدان.الأفريقية. لكن نجاح هذه البنوك جاء على حساب الدين العام الذي يتراكم يوماً بعد يوم إلى أن تعدى الستين ملياردولار أى ما يصيب كل مواطن لبناني بأكثر من 10000 دولار عليه تسديدها بشكل أو بآخر.
ز- ازدادات الهجرة الدائمة بصورة مخيفة وباع المهاجرون أراضيهم فعلت الأصوات محذرة دون طائل كما هجر 75 % من متخرجي الجامعات والمعاهد إلى الدول العربية وغيرها بسبب ندرة فرص العمل.في لبنان .
ج- توقفت عجلة تقدم لبنان من بلد في طور النمو(developing ( إلى بلد نام (developed ( .والخوف أن يتراجع تقييمه إلى بلد دون النامي ( underdeveloped ) .
ط- إزدادات التعديات والسرقات وتفشى الفساد والرشوة، كل ذلك بسبب قلة فرص العمل أو بسبب تدنى الأجور مقارنة مع.إزدياد أكلاف المعيشة .
ي- انبرى الشباب للإنجرار وراء الحركات السياسية ذات الأجندات الأجنبية بدل أن يكونوا عاملين منتجين يبغون الإستقرار والعيش الكريم .
ك- إزدادات حالات الطلاق أو الإنفصال والشذوذ والتفكك العائلي إلى درجات خطيرة وكلها بسبب القلة وخاصة قلة فرص العمل في لبنان .
فما هو الحل ؟
الحلّ يكمن في توفير فرص العمل . وهذه يمكن أن تحصل نتيجة الإستثمار في مشاريع إنتاجية وهي بدورها لن تحصل بغياب الحماية الفاعلة وخاصة الحماية الجمركية التي تؤدي ، إن فعَّلت ، إلى تحفيز الإستثمار فى القطاعات الإنتاجية وإستبدال قدر يسير من المستوردات بالإنتاج المحلي .
هنالك رساميل كبيرة يملكها لبنانيون هاجروا ونجحوا في بلدان الإغتراب لكن حنينهم للعودة بقى . إنما عودتهم مع أموالهم لا يمكن أن تحصل إلاّ إذا توفرت فرص الإستثمار .
وهذه الفرص هي التي سوف تستوعب طالبي العمل .
لقد غاب عن المسؤولين أن أية سياسة إقتصادية إنما يجب أن تخدم المواطنين اللبنانيين لأي فئة انتموا وبغض النظر عن عددهم . وخدمة المواطنين تأتي قبل خدمة الدول الأخرى التي تطالب بفتح الأسواق لمنتجاتها.
غاب عن المسؤولين أيضاً أن معظم الدول التي تطالب بفتح الأسواق لها إنما تعتمد على سياسة الدعم المباشر ودعم التصدير الأمر الذي يخفّض من قيمة السلع المنوي تصديرها وبالتالي يهدد الإنتاج المحلىّ غير المدعوم في لبنان.
غاب عن المسؤولين أن القوانين المطلوب وضعها في لبنان توطئة لإنضمام لبنان لإتفاقية التجارة العالمية إنما تخدم المنتجات المستوردة وتحارب الإنتاج المحلي بصورة غير مباشرة كقانون حماية المستهلك وقانون حماية الإنتاج الوطني وقانون حماية الملكية الفكرية .
غاب عن المسؤولين إستغلال بعض الدول العربية لإتفاقية المنطقة العربية الحرة ، والتى ألغت كل الرسوم الجمركية بين الدول العربية للمنتجات ذات المنشأ العربي ( أي حدّ أدنى 40 % من مدخلات المنتجات) ، فأخذت هذه الدول تصدر منتجات مستوردة كلياً على أن منشأها هو البلد العربي المصدّر بعد تغيير تغليفها .
لم يتضمن أى بيان وزاري منذ 1990 حتى الآن أية إشارة إلى كيفية معالجة الوضع الإقتصادي المأزوم في لبنان سوى بكلمات عامة لا معنى لها .
قبلت كل الحكومات المتعاقبة منذ 1990 حتى الآن سياسة الحماية لعديد من القطاعات سوى القطاعات الإنتاجية . فمهنة المحاماة والهندسة والصيدلة والطبابة كلها محمّية . وقبلت هذه الحكومات سياسة الإحتكار كصناعة الأسمنت وسياسة حكر قيمة تذاكر السفر من وإلى لبنان على طيران الشرق الأوسط وصناعة الكابلات الكهربائية وغيرها .
من المؤسف أن المسؤولين عن الشأن الإقتصادي في لبنان هم مهوسون بالتبعية لأنهم لا يملكون القدرة على المبادرة أوالتحليل بل يستسهلون التبعية والإعتقاد على أن كل فرنجي برنجي وكفى المؤمنون شر القتال .
ان جهل كل رؤساء الوزارات ووزارء المالية والإقتصاد الذين تعاقبوا على الحكم منذ 1990 في الشأن الإقتصادي أوصل اللبنانيين إلى بيع أراضيهم وإلى الهجرة .