حول السياسة الإقتصادية حسب البيان الوزاري للحكومة

August 30, 2008 Musa Freiji Articles

ملاحظات حول السياسة الإقتصادية حسب البيان الوزاري للحكومة

بقلم: م. موسى فريجي

يطغي على معظم النصوص المستخدمة في البنود المختصة بالسياسة الإقتصادية للحكومة الحالية طابع العموميات التي يغلب عليها صفة الإنشاء وليس صفة التحديد حتى يمكن تقييم هذه السياسة تقييماً جدّياً وعادلاً.

42- فالمحاور الثلاثة التي تتركز حولها السياسات الإقتصادية للحكومة هي :

" أولاً: تحقيق معدلات نمو اقتصادي تعيد لبنان إلى مسار النمو المستدام وتعيد إليه بعضاً من ازدهاره المفقود. وكذلك اجتذاب الاستثمارات العربية والأجنبية المباشرة التي تساهم في إيجاد فرص العمل الجديدة وفي تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وتعزيز وضع المالية العامة للدولة وخفض نسبة الدين العام إلى حجم الاقتصاد الكلي بوتيرة مضطردة.

ثانياً: تحسين استهدافات وفعالية الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة إلى عموم المواطنين وتطوير برامج مساعدات اجتماعية هادفة تطال الفئات المهمشة والأشد حاجة. فضلاً عن ذلك ستعمل الحكومة على تعزيز نظام الحماية الاجتماعية، ومتابعة تنفيذ مشاريع إصلاح مؤسسة الضمان الاجتماعي.

ثالثاً: الالتزام بسياسة الإصلاح الاقتصادي التي تقدم بها لبنان إلى مؤتمر دعم لبنان (باريس-III) والعمل على تنفيذها على شكل برامج وسياسات وإصلاحات قطاعية مع الأخذ بالاعتبار ما استجد من متغيراتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ محليةٍ ودولية، وما يقتضيه ذلك من تعديل للمهل الزمنية التي التزم بها لبنان وذلك للتلاؤم مع الظروف الاستثنائية التي مر بها لبنان خلال السنتين الماضيتين."

مع أنما محاور عظيمة لكن لا يمكننا تصور السبل التي تودي إلى ترجمتها إلى أفعال حقيقية خاصة في ظل التوترات السياسية والامنية من جهة وفي ظل ملاحظاتنا للمارسات الإقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ 1992، هذه الحكومات التي هيمنت عليها توجهات إقتصادية إنفتاحية لم تؤدّ إلى تحسين الإقتصاد طيلة هذه الحقبة الطويلة.

أما الأهداف والمبادئ العامة للسياسة الإقتصادية فجاءت كما يلي :

" أ- استعادة الثقة في الداخل والخارج بمستقبل الاقتصاد اللبناني وصدقيته الائتمانية.

ب- اعتماد سياسات فاعلة للتنمية المتوازنة والمستدامة، وتنفيذ سياسات اجتماعية تحمي الفئات المقصية أو المهمَّشة اجتماعياً، كما والعمل على مكافحة الفقر والجهل والمرض.

ج- متابعة العمل مع القطاع الخاص على بناء اقتصاد عصري يكون محوره الأساسي التشجيع على وجود قطاعات إنتاجية قادرة على التكيّف مع المتغيرات التكنولوجية والاقتصادية العالمية، وتكون قادرة على المنافسة المتكافئة.

د- العمل على إشراك جميع القوى السياسية والهيئات الاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني بما فيها المنظمات الشبابية في عملية النهوض والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

ح- التأكيد على أهمية انخراط لبنان في الاقتصاد العربي من خلال التزام الحكومة بسياسة تهدف لتعميق وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الدول العربية والاندماج الاقتصادي معها.

ط- استمرار الحوار البناء مع المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية والدول الصديقة للحصول على دعم مستمر للبنان واقتصاده.

ي- العمل على تمتين تعاون لبنان مع الاتحاد الأوروبي وتعميق الاندماج الاقتصادي وتعزيز العلاقات السياسية والثقافية معه، في إطار مسار برشلونة، واتفاق الشراكة الموقَّع بين الطرفين ومن خلال مشاركة فاعلة في مسار برشلونة- الاتحاد من اجل المتوسط. كما ستسعى الحكومة إلى تسريع عملية انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية وتطبيق القوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرية ومكافحة القرصنة.

ك- تطوير الآليات المؤسساتية لمتابعة تنفيذ هذه الاصلاحات بما يضمن مستوى متقدماً من فعالية التنفيذ ومن الشفافية وإمكانية المساءلة في آن. وهي لذلك ستعمل على تفعيل عمل اللجان الوزارية المتخصصة لتنفيذ هذه الإصلاحات.

ل- متابعة التعاون مع صندوق النقد الدولي في إطار برنامج "المساعدة العاجلة لفترة ما بعد النزاعات"، بما يسهم في تعزيز صدقية لبنان الاقتصادية والائتمانية."

من الطبيعي أن تكون الأهداف التسعة أكثر تحديداً من المحاور لكن شكوكاً كثيرة تحوم حول النقاط التالية:

أ- إستعادة االثقة بالإقتصاد اللبناني تتطلب أجواءً أمنية وسياسية سليمة حتى تتمكن الحكومة من تحفيز الإستثمار وتكبير حجم الإقتصاد وبالتالي جمع المداخيل اللازمة للإيفاء بالتسهيلات الائتمانية.

ب- لا ندري كيف تستطيع الحكومة إعتماد سياسات فاعلة للتنمية المتوازنة المستدامة في ظل سياسة الإنفتاح المطلق.

ج- لن يكون بمقدور القطاع الخاص إيجاد إنتاج قادر على المنافسة المتكافئة طالما تعتمد الحكومة سياسة تخفيض الرسوم الجمركية على كافة المنتجات حتى تلك المدعومة من منشأها.

د- إنه لحلم اللبنانيين جميعاً ان يشترك الجميع في عملية النهوض والإصلاح الإقتصادي. لكن ما العمل والتناحر السياسي على أشده والإحتكام للعصيان والسلاح أصبح القاعدة.

ح- الإندماج الإقتصادي مع الدول العربية يتطلب من كل الدول العربية إحترام وتنفيذ إتفاقية التبادل التجاري الحر العربية أولاً ثم يأتي دور لبنان الذي عانى من حرب أهلية دامت 15 سنة تبعه إختلاف سياسي دام 18 سنة أخرى والأتي أعظم.

ط- إن عجز الحكومات المتعاقبة عن دفع المستحقات للدول والمؤسسات المالية سوف يثنى هذه الدول والمؤسسات عن الإستمرار في دعم لبنان. وخوفنا الكبير هو أن ييأس العالم من لبنان وسياسيي لبنان اللذين أطاحوا بالمؤسسات الدستورية والنظام الديموقراطي .

ي- تكمن المشكلة الكبرى في السياسات الإقتصادية في تسرع الحكومة السابقة بتوقيع إتفاقيات تبادل تجاري حتى مع دول أو مجموعات قبل أن يتهيأ لبنان بعد حربه الأهلية لإعادة بناء مؤسساته الإقتصادية وخاصة الصناعية والزراعية منها. وها هي الحكومة الحالية تنادي بتمتين الإتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي وتسريع إنضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية بدل من تعديل الأولى لمصلحة لبنان وتحسين شروط لبنان في الرسوم الجمركية قبل الإنضمام للثانية.

ك -حبذا لو إنكبت اللجان المقترحة لتنفيذ الإصلاحات على تحديد هذه الإصلاحت وملأمتها لمصلحة المواطن اللبناني، كل مواطن دون إستثناء. فلا يجوز بعد اليوم ان تتستّر الحكومة خلف ما تدعيه انه مصلحة المستهلك عند إقرارها تخفيض الرسوم الجمركية على حساب المنتجات اللبنانية بينما لا تأبه بإرتفاع أسعارالمواد المثيلة المستوردة وتأثيرها على المستهلك وتعتبرها زيادة عالمية في الأسعار لا حيلة لها تجاهها.

اما بشأن زيادة الأجور فلا بأس برفع الحد الأدنى للأجور لدى القطاع الخاص مع انه سوف يزيد من كلفة الإنتاج لكن يجب ان يتزامن ذلك مع رفع الرسوم الجمركية على المنتج مثيلها في لبنان كي تتعادل الزيادتان.

43- في تعزيز الإستقرار الإقتصادي والنمو وتحفيز الإستثمار

حبذا لو كان بالإمكان إطلاع الرأي العام على مشاريع موزانات الأعوام 2006/2007/2008 وبالتالي على مشاريع القوانين والمواد الأصلاحية التي تتضمنها كي نتمكن من التعليق عليها سلباً أو إيجاباً. أما موضوع خصخصة الكهرباء والإتصالات وغيرها فأننا نبارك هذه الخطوة على أن يتم ضبط الأسعار ومستوى الخدمات والممارسات حماية للمواطنين.

44- في تشجيع القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية

أولاً : اننا نهيب بالحكومة بالإقلاع عن دعم تصدير بعض المنتجات الزراعية لأنها بذلك تحدد الإنتاج في مناطق محددة من جهة وترفع من أجور الأراضي الزراعية المروية وبالتالي تزيد من كلفة إنتاج الزراعات غير المدعومة. نطالبها بأن تستبدل هذه السياسة بسياسة حماية المنتجات الزراعية المنتجة في لبنان من مثيلاتها المستوردة حماية جمركية حيث ذلك سيعزز الإنتاج المحلي لمعظم المنتجات التي يحتاجها لبنان ويعمم الزراعات في كل المناطق اللبنانية .

ثانياً : إننا نثمن خطوات الحكومة المذكورة في البيان الوزاري الآيلة إلى الإجراءات التي تشجع المؤسسات الإنتاجية المتوسطة والصغيرة .

45- في القطاع الزراعي

إننا نثمن خطة الحكومة بشأن " تشجيع التسليف الزراعي، وإستكمال أعمال التحديد والتحرير والكيل والضم والفرز للمناطق غير الممسوحة وغير المكالة ، وكذلك إقرار المشروع الأخضر على لعب دور أفضل في شق الطرق الزراعية وإنشاء البحيرات الجبلية." لكننا نعود ونؤكد عدم الجدوى من الدعم للزراعات كما أسلفنا خاصة وان الدعم يتعارض مع قوانين منظمة التجارة العالمية. كما نطالب مجدداً بإعتماد الحماية الجمركية للأصناف التي تنتج في لبنان وتترك كل الأمور الأخرى من إرشاد ونوع الزراعة والتمويل للقطاع الخاص لكي يوفر الإكتفاء الذاتي من كافة الزراعات ويصدّر ما يمكنه تصديره.

46- في القطاع الصناعي

يغلب على مضمون هذه المادة من البيان الوزاري الطابع النظري الإنشائي دون الدخول في عمق التطبيق الفعلي على الأرض. فبينما "تعتبر الصناعة قطاعاً حيوياً وتؤكد على أهمية الدور الذي تلعبه في عملية النهوض الإقتصادي وزيادة الدخل القومي وإيجاد فرص عمل لشباب لبنان وتحول دون هجرتهم"، فاننا لا نرى كيف لها أن تنفذ ذلك على الأرض خاصة وأنها ستركز فقط على " إعتماد إجراءات عملية وفعالة لمكافحة المنافسة غير المشروعة وتعمل على تنمية قانون حماية الإنتاج الوطني والمرسوم والتطبيقي الصادر في شأنه لمواجهة عمليات الأغراق" أننا نعتبر أن تطبيق قانون حماية الإنتاج الوطني في ظل إتفاقيات وقوانين منظمة التجارة العالمية هو عمل صعب جداً ويكاد يكون مستحيلاً لصعوبة إثبات الضرر الذي يطال الإنتاج الوطني من مثيله المستورد بما يزيد عن 50% من المنتجين في لبنان كي يحق للبنان أن يضع رسم الإغراق لحماية هذا المنتج المحلي.

الخلاصة

وعليه فأن حماية الإنتاج المحلي عن طريق رفع الرسوم الجمركية الى درجة كافية هو الحامي الأضمن للصناعات والزراعات اللبنانية خاصة وأن لبنان يستورد خمسة أضعاف ما يصدر وكلفة إنتاجه مرتفعة وبالتالي حري به أن يخفف الإستيراد عن طريق إستبداله بالإنتاج المحلي ويصدر ما يمكنه أن يصدر. هذه هي المعادلة الأفضل للنهوض بالقطاعات الإنتاجية في لبنان صناعية كانت أم زراعية بدليل أن إنتاجه يتراجع أمام المستوردات منذ عام 1990 وكفاءاته البشرية تهاجر ورساميله تذهب إلى بلدان أخرى حيث العائد على الإستثمار أفضل وقوانين الإستثمار أضمن وحماية الإنتاج الوطني أكثر وضوحاً وثباتاً والاجواء الإستثمارية السياسية والأمنية والقضائية أنقى.

* ألأمين العام للتجمع الوطني للإصلاح الإقتصادي - لبنان