غذاء العالم العربي … من أين؟

November 18, 2010 Musa Freiji Articles

يبلغ عدد سكان الدول العربية 350 مليون نسمة وهذا العدد يزداد بنسبة 2% سنوياً أي أنّه سيقترب في منتصف القرن الواحد والعشرين من 700 مليون نسمة الأمر الذي يتطلّب مضاعفة حجم الغذاء الحالي.

من المعروف أنّ العالم العربي يستورد حالياً 75% من غذائه. كما من المعروف أنّ حاجة العالم للغذاء سوف تتضاعف في عام 2050 عمّا كانت عليه في بداية القرن بسبب إرتفاع عدد سكان العالم خلال هذه الفترة بنسبة 50% أي بزيادة تتعدّى 3 مليارات نسمة. ففي ظل هذه الزيادة السكانية والحاجة لمضاعفة توفير الغذاء يصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل توفير حاجة العالم العربي من الغذاء من دولٍ كانت توفر له هذا الغذاء في أوائل القرن.

إنّه من الطبيعي أن نشهد تفضيلاً لتوفير الغذاء لدى عديد من الدول لمواطنيها أولاً وتقنين أو حتى الإمتناع عن تصدير هذا الغذاء تمكيناً للمواطنين من شرائه بأسعار تتناسب ومعدّل دخل الفرد منهم. فهل المساحات القابلة للزراعة وتوفُر المياه المطريّة أو مياه الرّي في العالم قادرة أن تُضاعف الغذاء خلال الخمسين سنة الأولى من القرن الحالي؟ لقد أسهب علماء الزراعة والإقتصاد بتحليل هذا الأمر وخلُصوا الى أنّه ليس سهلاً لكنّه غير مستحيل شريطة أن تتوفر المعطيات التالية:

1) ما زال هنالك نسبة كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تصل الى 35% لم يتمّ إستغلالها حتى يومنا هذا. فلا بدّ من زراعتها بصورة تدريجيّة خلال هذه الفترة الزمنيّة. ثلثي هذه المساحات متوفرة لدى الدول الناشطة في الزراعة وتوسيع المساحات المزروعة لديها.

2) أظهرت عمليّات تأصيل النباتات والحيوانات خلال الخمسين سنة المنصرمة قدرة زيادة إنتاجيّة الوحدة المساحيّة من الأرض أو إنتاجيّة الحيوانات المؤصّلة الى مقادير تتراوح بين الضعف والخمسة أضعاف. وما زال علماء التأصيل منكبّون على رفع إنتاجيّة عديد من المحاصيل الزراعيّة والحيوانات الأليفة المعدّة لتوفير البروتين الحيواني بجدّية عالية.

3) عديد من الدول لم تعتمد الوسائل الحديثة في الزراعة والرّي وخصوصاً ترشيد إستخدام المياه. على هذه الدول أن تواكب التطوّرات الحديثة في العالم في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني وبالتالي تزيد من كفاءة إنتاجيّتها وتوفير الغذاء لمواطنيها.

4) على دول العالم التوافق السريع على إعتماد وسائل التخفيف من الإحتباس الحراري. وفي هذا الشأن لا بدّ للدول الصناعيّة من العمل بمقرّرات مؤتمر كيوتو في هذا الشأن. فمن المعروف أنّ زيادة حرارة الجو وقلّة الأمطار هما عاملين سلبيّين لتقدّم الزراعة وإنتاج الغذاء في العالم.

5) الإسراع في إعتماد إتفاقيّات التبادل التجاري الحرّ للمنتجات الزراعيّة والحيوانيّة لدى منظمة التجارة العالميّة. من المعروف أنّ تعثر التوقيع على هذه الإتفاقيات وبالتالي إعتمادها من الدول الأعضاء يعود بشكلٍ أساسي الى تعنّت الدول الصناعيّة والإصرار على إبقاء دعم الزراعة لديها ووضع العراقيل لإستقبال المنتجات الزراعيّة والحيوانيّة من الدول الفقيرة والنّامية. فالدعم المباشر السنوي للزراعة في أوروبا بلغ 55 مليار يورو وفي الولايات المتحدة تعدّى 185 مليار دولار. وهذا الدعم لا ينحصر في إنتاج ما تحتاج إليه هذه الدول لمستهلكيها بل يتعدّاه الى الفائض المعدّ للتصدير. وهذا الدعم للمحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية قد عطّل على الدول النامية تطوير إنتاجها بسبب وصول المنتجات المدعومة بأسعار إغراقيّة لا تتماشى وكلفة إنتاجها.

6) قد يكون من الصعب إقناع الدول الصناعية بإيقاف دعم المزارعين لديها لإعتبارات الأمن الغذائي ورفاه المزارعين وسلامة الغذاء وغيرها، لكن قد يكون من الممكن إقناع هذه الدول الصناعية بحصر الدعم الى مستويات إنتاجية تكفي إستهلاك مواطنيها الأمر الذي يحفز الزراعة في الدول النامية وبالتالي المساهمة في توفير الغذاء العالمي.

هذا في الشأن العام العالمي. أمّا ماذا عن دور الدول العربيّة في توفير الغذاء.

تبلغ مساحة أراضي الدول العربية القابلة للزراعة 546 مليون هكتاراً. يُزرع منها فقط 58 مليون هكتار أي قرابة 11%. تتفاوت كلفة الإنتاج الزراعي في هذه الدول تفاوتاً كبيراً لأسبابٍ عديدة منها عدم توفر الطرقات وخاصةً الزراعية منها أو نوعيّة التربة أو قلّة المياه وغيرها. لكن عند الضرورة، وهذه حاصلة لا محال، لا بدّ من الإقبال على الزراعة ولو بكلفة مرتفعة توفيراً لغذاءٍ قد لا يكون متوفراً بصورةٍ سهلة أو بأسعار إقتصادية لمواطني الدول العربية في القريب المنظور.

من الدول الأكثر قابليّة للزراعة في العالم العربي السودان الذي لديه 135 مليون هكتار صالحة للزراعة يُزرع منها حتى الآن فقط 16 مليوناً، والجزائر الذي لديه 40 مليون هكتار قابلة للزراعة يُزرع منها 7,5 مليوناً فقط، والمغرب الذي لديه 30 مليون هكتار قابلة للزراعة يُزرع منها فقط 8,5 مليوناً، وسوريا التي لديها 14 مليون هكتار صالحة للزراعة يُزرع منها 4,5 مليوناً، واليمن الذي لديه 18 مليون هكتار صالحة للزراعة يُزرع منها 1,5 مليوناً فقط. وهذه عيّنات من بعض الدول العربية الأكثر قابليّة لتطوير الزراعة فيها. من هنا يتضح أنّ العالم العربي قادرٌ على توفير غذائه إذا ما إنكبّ على الزراعة. لكنّ ذلك يتطلّب إجراءات كثيرة على دولِه الأخذ بها وبصورةٍ سريعة وأهمّها:

1) من الواضح أنّ المهمّة الرئيسة لإحداث إنتاج الغذاء تقع على القطاع الخاص. لكنّ القطاع الخاص يتطلّب مناخاً ملائماً للإستثمار أقلّه الأمن والعدالة ثمّ التشريعات المحفزة.

2) توفير البنية التحتيّة ومنها: طرقات رابطة بين المدن والموانئ والمناطق الزراعيّة، وجسور فوق الوديان والأنهر، وسدود لإنتاج الكهرباء وتوفير مياه الرّي وإيصال الطاقة الكهربائية للمناطق الزراعية والقرى.

3) إحداث وزارات للإستثمار وقوانين تشجع الإستثمار وتسهيل مهمّة القطاع الخاص في الولوج الى الإستثمار في الزراعات والصناعات الغذائية وعدم الغرق في متاهات الوزارات المختلفة.

4) وضع تشريعات فاعلة لحماية الإنتاج الوطني والحد من إستيراد المنتجات الغذائية التي تصل بأسعار إغراقيّة مدعومة الإنتاج أو التصدير من منشأها لأنّ التهاون في هذا الأمر يمنع القطاع الخاص من الإستثمار في الزراعة وإنتاج الغذاء وبالتالي يعرّض الدول التي تعتمد الإنفتاح غير المدروس الى الإتكال على الإستيراد الذي قد تتضاعف قيمته وتأخذ البلدان المستوردة على حين غرّه كما حدث في الماضي القريب وكما منتظر أن يحدث مع إزدياد عدد سكان العالم.

5) وضع التشريعات التي تحرّر الأراضي من قبضة النافذين في عديد من الدول العربية ومن تسلّط المدّعين حيازتها دون وجه حق لا لأنّهم يزرعونها بل لأنّهم يتربّصون بمن يرغب في زراعتها لإستغلاله وفرض الخوّة عليه. إنّ هذه الظاهرة من أهمّ الظواهر التي تعطل التقدّم في إنشاء المشاريع الزراعية في العالم العربي.

6) وضع التشريعات التي تسهّل إنتقال المستثمرين ورؤوس أموالهم وفنّييهم وأرباحهم وحمايتهم من المستغلّين والمعرقلين في دوائر الوزارات المختلفة.

هكذا فقط يمكن للعالم العربي أن يوفر غذاء مواطنيه في العقود القادمة والحد من الإتكال على الإستيراد الذي قد لا يكون متوفراً لا كماًّ ولا بقيمة إقتصادية.