أنا ممّن يستمعون الى خطاباتكم بكل تركيز وانتباه.
لفتني تركيزكم في خطابكم الأخير بتاريخ 10/05/2022 على ثروة لبنان النفطية والغازية واعتبارها المنقذ الأول لوضع لبنان الاقتصادي المتردّي منذ عشرات السنين.
مع أنّ لهذه الثروة قيمة كبيرة لكن يجب الاّ تُستخدم إلاّ في أغراض البنية التحتية من طرقات وجسور وسدود وتشجير الجبال الجرداء والنقل العام والكهرباء ومعالجة النفايات وغيرها.
لكن مستقبل لبنان الاقتصادي يجب أن يرتكز الى قواه البشرية وخاصة المتعلّمة والمثقفة منها والتي تغادر لبنان بالآلاف سنوياً ومنذ ما يزيد عن ربع قرن.
فلبنان، وبسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي الإنفلاشية، إنجرّ الى التخلّي عن قطاعاته الإنتاجية، صناعية كانت أم زراعية، واعتمد سياسة ريعيّة بتوجيه من الدول الغربية والعربية المقتدرة عن طريق إلزامه بالتوقيع على إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ وتخفيض معدّل الرسوم الجمركية الى ما دون الخمسة بالماية، وبالتالي منافسة الانتاج الصناعي والزراعي المحلّي وإلزامه الى التراجع تراجعاً جعل من الميزان التجاري فائضاً لصالح الإستيراد وصل إلى 90% (20 مليار دولار قيمة الواردات مقابل 2 مليار دولار قيمة الصادرات). تجدر الإشارة ها هنا الى أنّ المنتجات المصدَّرة الى لبنان تتمتع بدعم مباشر لإنتاجها في بلدها ودعم لتصديرها، الأمر الذي يجعل سعرها منخفضاً مقارنةً مع كلفة انتاج مثيلها في لبنان.
نتج عن هذه السياسة، التي يدعمها ما يُسمى بالهيئات الاقتصادية، أصحاب الوكالات الحصرية والمحتكرين ورؤساء الفساد والمفسدين، أن هاجر 25 ألف متخرّج جامعي سنوياً من أصل 35 ألفاً. تبلغ قيمة تنشئتهم من ولادتهم حتى تخرّجهم نصف مليون دولار للفرد الواحد، ممّا يساوي 12,5 مليار دولار سنوياً بينما لم تتعدّ تحويلاتهم الـ 6,5 مليار دولار سنوياً. الأمر الذي يعني أن لبنان أصبح ومنذ العام 1992 ينتج طاقات بشرية متعلّمة ويصدّرها بخسارة سنوية تبلغ ستة مليارات دولار، ناهيكم عن خسارة انتاجيّتهم فيما لو قدّر لهم إيجاد فرص عمل في وطنهم الأم وهم توّاقون لذلك. انها لسياسة خبيثة يمكن وصفها بالإستعمار الاقتصادي.
إنّ نقل لبنان من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج هو أولوية فوق كل الاولويات. فلا مكانة بين الدول لأي بلد لا يُصنّع ولا يُنتج معظم غذائه.
أمّا الخطوات العملية الواجب اعتمادها للإنتقال المنشودفهي التالية:
1- تجميد العمل بإتفاقيات التبادل التجاري الحرّ لمدة لا تقل عن 15 سنة.
2- وضع رسوم جمركية مرتفعة تتراوح بين 25 و 100% على كل منتج مستورَد يتمّ إنتاج مثيله أو يمكن أن يتم انتاج مثيله في لبنان، وإلغاء الرسوم الجمركية على مستلزمات الانتاج غير المتوفرة في لبنان.
3- زيادة الحد الادنى للأجور بحيث تتلاءم والزيادة في كلفة المعيشة نتيجة الرسوم الجمركية. وبذلك ترتفع بالتوازي كل الأجور الاخرى.
4- تحفيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية عن طريق تسهيل إجراءات التراخيص.
حبّذا لو اعتمدت كتلة الثنائي الشيعي وحلفاؤها هذه السياسة الاقتصادية بتوجيهاتكم حفاظاً على ثروتنا البشرية الكفوءة ومساهمتها بنهضة لبنان.
وتفضلوا بقبول فائق الإحترام،