تنظم العلاقات التجارية بين لبنان وسوريا إتفاقية التبادل التجاري الحر الثنائية والتي وقع الشق الزراعي منها الرئيس بشار الأسد فور توليه رئاسة البلاد كما تنظمها إتفاقية التجارة الحرة العربية بين الدول العربية والتي دخلت حيّذ التنفيذ عام 2004.
أضحت بذلك كل المنتجات الصناعية والزراعية ذات المنشأ اللبناني والسوري غير خاضعة لأي رسم جمركي منذ ما يزيد عن سبع سنوات لكن ظاهرة تهريب المنتجات المختلفة السورية المنشأ مازالت على أشدّها بالرغم من أن عملية التهريب هذه تكلّف أصحاب المنتجات المهرّبة تكاليف مرتفعة نسبياً تدفع للمهرّبين ولعديد من الجهات الأخرى على طرفيّ الحدود.
فما هو سر إعتماد التهريب بدل المنافذ الحدودية الرسمية التي تكلف رسوماً طفيفة وأجور نقل أقل من كلفة التهريب عدا المخاطر التي ترافق الأخيرة.
التهريب هو عملياً الهرب مما هو قانوني لأسباب تحول دون الخضوع للقانون لأن تطبيق القانون يمنع المنوي تهريبه من دخول بلد المقصد بينما التهريب يسمح له بذلك بصورة غير شرعية. ولما إنتفى سبب الرسوم الجمركية كعامل يتهرب منه المصّدر فأن أسباب التهريب أصبحت غير جمركية بالضرورة.
تهريب المواد الممنوعة
لا شك أن المواد الممنوع إستيرادها إلى لبنان هي التي لا يمكن إدخالها إلا بواسطة التهريب كالأسلحة والمخدّرات وهذه لن أدخل في معالجتها في هذا المقال.
تهريب المنتجات الزراعية
تخضع المنتجات الزراعية اللبنانية إلى الفحوص المخبرية للتأكد من خلوها من ترسبات المبيدات الحشرية الكميائية الضارة ومن خلوها من الآفات الزراعية التي يمكن أن تنتقل الى المزروعات في لبنان. وهذه إجراءات تتبعها كل دول العالم حماية لثروتها الزراعية ولصحة مواطينها على حد سواء.
أما المنتجات الزراعية الحيوانية من ألبان وأجبان ولحوم دواجن أو لحوم حمراء فهي تخضع لفحوصات مخبرية للتأكد من خلوها من الجراثيم الفيروسية والبكتيرية والفطرية حماية لصحة الناس.
لذلك ولما كانت بعض المواد الإستهلاكية النباتية أو الحيوانية لا تتطابق مع المواصفات القياسية اللبنانية وقد تفشل في المرور لعدم صلاحيتها فأن أصحابها يلجأون إلى تهريبها بعيداً عن أعين السلطات المختصة الجمركية منها والصحية أو الزراعية.
وعليه فأن المستهلك اللبناني يشتري مواداً مهرّبة بالتواطؤ مع التجار اللبنانيين ومن منافذ البيع المتواطئة معهم أيضاً أو يستهلك مأكولات في المطاعم والفنادق التي لا تراعي هذه الناحية أهمية تذكر فيتعرضون بالحالتين لمتاعب صحية لا يمكنهم تحديد مصدرها بسهولة.
وهكذا فأن ما ينشر بوسائل الإعلام المرئية عن حالات تسمم ما هو إلا نقطة في بحر التلوث والامراض المعوية التي تنتشر في كل المناطق اللبنانية دون محاسب أو رقيب.
لقد أحال مجلس الوزراء منذ سنة تقريباً قانون سلامة الغذاء إلى مجلس النواب لإقراره. والقانون هذا سوف يطبق أكثر ما يطبق على مصانع المنتجات الغذائية في لبنان وعلى المنتجات المستوردة التي تدخل لبنان بالطرق الشرعية. فكيف للحكومة أن تطبق قانون سلامة الغذاء على المهرّب من هذه المنتجات الغذائية؟
تهريب المنتجات الصناعية
مع ان المنتجات الصناعية تخضع لبعض المواصفات القياسية لكنها أقل صرامة وتشدداً وهي تستطيع الإنتظار بضعة أيام على الحدود للإنتهاء من فحصها دون أن تتعرض للتلف كالمنتجات الزراعية. ومع ذلك نرى ان عديداً منها يدخل البلاد بطرق غير شرعية فلماذا يا ترى؟
في رأيي إن هنالك سببان. الأول هو التهرب من القوانين السورية التي تلزم المصدرين بإثبات إستلام قيمة البضائع المصدّرة من سوريا في مرحلة تسبق أو تلي عملية التصدير تحت طائلة المخالفة والمسائلة. ولما كان هنالك حاجة لتوفير العملة الصعبة من أجل فتح إعتمادات الإستيراد تفوق المتوفر من هذه العملات في الأسواق والبنوك السورية فأن المصدرين يلجأون إلى تهريب المنتجات الصناعية إلى لبنان وقبض ثمنها بالعملة الصعبة في لبنان أو حتى تحويلها إلى حساباتهم بالعملة الصعبة في سوريا وإستخدام هذه العملات في فتح إعتمادات مستورداتهم إلى سوريا من لبنان أو من سوريا. والسبب الثاني يعود للجهات اللبنانية المشترية للمنتجات الصناعية المهرّبة والتي تتهرّب من دفع رسم القيمة المضافة البالغة حالياً عشرة بالماية وبالتالي تحرم الخزينة اللبنانية من هذ الرسم.
مما تقدم يتبيّن أن الضرر الأكبر المتأتي من التهريب يقع على صحة المستهلك اللبناني والضرر الأقل حدة يقع على الخزينة اللبنانية. لذلك وجب على الحكومة أن تسعى جادة لمنع هذه الظاهرة بسرعة دون التذرع بطول الحدود ووعورتها وصعوبة هذه المهمة.