مداخلة م. موسى فريجي بجلسة الزراعة بملتقى القاهرة الثالث للإستثمار الزراعى في الدول العربية

December 21, 2008 Musa Freiji Articles

لم يكن بمقدور الزراعة أن تخطو خطوات واسعة في معظم الدول العربية إلا بإعتماد سياسة الدعم من جهة والحماية من الجهة الأخرى خاصة وأن كلفة الإنتاج الزراعي في معظمها مرتفعة أمّا لأسباب تتعلق بالمناخ القاسي وقلة الأمطار أو لإرتفاع قيمة مدخلات الإنتاج من طاقة وكهرباء ويد عاملة .

بالرغم من ذلك فإن إنتاج الغذاء في العالم العربي لا يغطي إلاّ ربع حاجته منها وهذه تمثل خطورة كبيرة خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الزيادة السكانية في العالم وإنخفاض قدرة عديد من الدول على إنتاج فائض عن حاجتها المتزايدة لغرض التصدير .

لعلّ الإرتفاع الكبير الذي حصل خلال عام 2007 و 2008 لقيمة معظم المواد الغذائية وعلى رأسها المحاصيل كالقمح والذرة وفول الصويا أكبر دليل على ضرورة الإعتماد على النفس. لقد إعتمدت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية والأسيوية تحويل جزء من هذه المحاصيل لإنتاج الطاقة المتجددة توطئة لمواجهة شّح ثم فقدان البترول في زمن ليس ببعيد . إن قرار الدول الصناعية هذا ، وهي الدول التي كانت وما زالت تدعم الإنتاج الزراعي دعماً غير محدود في مقاييس الدول النامية ، أخذ الدول العربية التي كانت تتلقى الإنتاج المدعوم على حين غرة . فهي كانت تحصل على القمح والذرة وفول الصويا ، أي أهم عناصر غذاء الإنسان والحيوان ، بأسعار مدعومة تقل عن تكلفة إنتاجها في هذه الدول . وعليه فهي لم تُعدّ ذاتها لإنتاج هذه المواد الغذائية الأساسية فإذا بها تضطر لشرائها بأسعار مضاعفة بين ليلة وضحاها لا لأن الدول الصناعية توقفت عن دعم المزارعين بل لأنها حولت جزءاً كبيراً منه لإنتاج الطاقة بدعم إضافي لمصانع إنتاجها .

من هنا يتبيّن لنا بأن الدول الصناعية إعتمدت وما زالت تعتمد على القطاع الخاص بتنفيذ سياستها الإقتصادية عن طريق الدعم المادي المباشر وغير المباشر وركزت معظم هذا الدعم للإنتاج الزراعي أي إنتاج الغذاء لإعتبارات عديدة ما فتئت تدافع عنها للتنصل من توقيع إتفاقات التبادل التجاري الحر للمنتجات الزراعية لدى منظمة التجارة العالمية .

لذلك نرى أن الإنتاج الزراعي والحيواني في العالم العربي بغرض تحقيق الأمن الغذائي لن يتم إلاّ على يد القطاع الخاص . وهذا القطاع لن يقدم على هذه المشاريع إلاّ إذا وجد الجدوى المادية منها . وهذه الجدوى لن تتحقق إلا بإعتماد سياسة إقتصادية تكفل عدم تعريض هذه المشاريع للمنافسة غير المشروعة من دول تعتمد الدعم بأشكال مختلفة وعدم تعريضها لأية متغيرات مفاجئة للقوانين الحمائية أو الضريبية .

لذلك أصبح لزاماً على الدول العربية مجتمعة وممثلة بجامعة الدول العربية بأن ترسم لها سياسة إنتاجية متكاملة يكون قوامها الآتي :

أولاً : تصحيح التشوهات في تنفيذ إتفاقية التبادل التجاري الحر بين الدول العربية .

أهم هذه التشوهات هي :

أ‌- التوقف الكلّي عن إعتماد الغش في تمرير منتجات منشأوها غير عربي عن طريق بلد عربي إلى بلد عربي آخر على أن منشأها عربي وبالتالي غير خاضع لأية رسوم جمركية في بلد المقصد .

ب‌- التشدد وإعتماد الدقة في إحتساب مكونات الإنتاج ذات المنشأ الوطني في أى بلد عربي للتوصل إلى إعتبار المنتج النهائي عربي المنشأ .

ج- التوقف عن إعتماد الوسائل المعرقلة لدخول البضائع ذات المنشأ العربي الحقيقي بين الدول العربية .

ثانياً : تعديل الإتفاقات الموقعة مع منظمة التجارة العالمية بحيث تأتي موحّدة لكل الدول العربية وخاصة لجهة :

أ‌- إعتماد سياسة جمركية واحدة لكل الدول العربية تأخذ بعين الإعتبار حماية الإنتاج العربي من المنافسة غير المشروعة من دول غير عربية .

ب‌- إعتماد فرض الرسوم الوقائية على المنتجات المستوردة إلى الدول العربية والتي تخضع لدعم من بلدان منشأها دون التقيد بالإجراءات المعقدة المعمول بها حالياً بقوانين حماية الإنتاج الوطني والتي تفرضها منظمة التجارة العالمية .

ثالثاً : الإعتماد الكلي على القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الإنتاجية والخدماتية والسيـاحيـة وتحفيزه بصورة جادة وواضحة وإعتباره المستوعب الأكبر والهــام للقــوى العاملة و لتطوير قدراته .

رابعاً : تخفيف القيود عن تنقل الأفراد وتسهيل إجراءات الحصول على أذون عمل وإقامة لهم .

خامساً: تخـطي حاجـز الخوف الذي نشأ في الماضي والتركيز على السودان لزراعـة أراضيه الخصبة من أجل توفير الجزء الأعظم من غذاء العالم العربي من هذا البلد العربي العزيز.

تبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في السودان 135 مليون هكتار يزرع منها حالياً 16 مليون هكتار أي 12 % وبالري المطري فقط . والسودان يتمتع بالنيلين وبمخزون جوفي هائل من الماء يساعد على إنشاء مشاريع زراعية مرويّة تحقق إنتاجية عالية ومتكررّة .

لكن على السلطات السودانية أن تزيد من إجراءات تحفيز الإستثمار وأهمها :-

أ- تعيين المسئولين الأكفاء للتعامل مع المستثمرين وتسهيل أمورهم .

ب- التشدد في فرض القانون ومنع التعدي على الأراضي وعدم مسايرة المتطفلين الذين يظهرون فجأة لإبتزاز المستثمرين .

ج- إلغاء الرسوم الجمركية على مدخلات الإنتاج وخاصة تلك غير المنتجة في السودان.

د - الإسراع في بناء الجسور / الكباري لتسهيل التنقل بين ضفاف النيل .

هـ- الإسراع في بناء الطرقات المؤدية إلى مناطق الزراعية .

و- الإسراع في إنتاج الطاقة الكهربائية المائية من أجل تخفيف كلفة هذه الطاقة على المستثمرين والمواطنين .

الخلاصة

في النهاية دعوني أقول بأن العالم سوف يواجه تحديات للزيادة السكانية بنجاح ليس فقط بتوفير الكفاية من الغذاء والألياف والأعلاف والوقود الحيوي ، بل بتحسين نوعية وسلامة المنتجات من أجل صحة الناس وسلامة بيئتهم .

وسوف تقوم بهذه المهمة المباركة دول جادة كالدول الصناعية والمتطورة يلحقها بعض الدول النامية التي أنعم الله عليها بقيادات بعيدة النظر .

فأرجو أن ترتفع الدول العربية مجتمعة إلى هذا التحدي وتكون في طليعة الدول النامية التي تسعى إلى تطوير إنتاجها وتوفير غذائها .

القاهرة في 21/12/2008