مدى قدرة منظمة الاغذية و الزراعة على ادارة توفير الغذاء و منع الجوع في العالم

November 16, 2009 Musa Freiji Articles

منذ سنوات عدة و منظمة الاغذية و الزراعة التابعة للأمم المتحدة ترفع الصوت عالياً و تعقد المؤتمرات الواحدة تلو الاخرى لتدارس سبل توفير الغذاء للأعداد المتزايدة من السكان في العالم. فمن المتوقع أن يزيد العدد من 6.5 مليار حالياً الى 9.3 مليار بحلول 2050 و يتضاعف حجم الغذاء المطلوب مع توقع زيادة استهلاك 15 % من سكان العالم الى 3 أضعاف ما هو عليه اليوم.

توطئة لمؤتمر القمّة العالمي للغذاء لعام 2009 و شعوراً منها بأهمّية القطاع الخاص في القيام بهذه المهمّة العظيمة، دعت المنظمة عن طريق مكاتبها المنتشرة في دول العالم الى استشراف وجهات نظر هذا القطاع في الحلول و رتّبت للقطاع الخاص اجتماعاً خاصاً يسبق المؤتمر لبضعة أيام، و ذلك من أجل تدارس المقترحات المعروضة و رفع توصيات محدّدة للمؤتمر.

ففي لبنان عقد مكتب المنظمة اجتماعين للقطاع الخاص ممثلاً ببعض الجامعات و الهيئات المدنيّة ذات الاختصاص و عدد محدّد من العاملين في انتاج الغذاء خلال شهري نيسان و أيّار 2009. خرج المكتب من الاجتماعين بملخص عن توصيات المجتمعين و أرسلها الى مكتب المنظمة في روما. فجاء من رئيس المنظمة دعوة لمن يرغب في القطاع الخاص اللبناني الذي اشترك في الاجتماعين الاعداديّين الى حضور اجتماع خلال يومي 12 و 13 تشرين الثاني في مدينة ميلان الايطالية يضمّ القطاع الخاص من كافة أنحاء العالم. تجاوب مع هذه الدعوة كل من السيّدين ميشال عقل و أنطوان بخعازي و كاتب هذا المقال و مثّلوا القطاع الخاص في لبنان بهذا الاجتماع. لدى الاطلاع على برنامج الاجتماعات تبيّن أنّ المدعوّين للتحدث يمثّلون كبرى الشركات العالميّة المنخرطة في انتاج البذور المؤصلة و الاسمدة و المبيدات و أنظمة الري و انتاج المحاصيل الزراعية الاساسية كالقمح و الذرة و فول الصويا و الثانوية كالشاي و الكاكاو و غيرها. لكنّ المناقشات لكل أوراق العمل اشترك بها كافة المشتركين بحرّية ضمن أوقات محدّدة جداً نظراً لضيق الوقت المتوفر للمناقشة.

من المؤسف أنَ نائب رئيس المنظمة السيّد جيم بتلر، و الذي ترأس الاجتماع الافتتاحي و الختامي، لم يوزّع أي من مقترحات القطاع الخاص التي وردت للمنظمة من كافة دول العالم و حصر البرنامج بتقديمات الشركات الكبرى دون أشراك ممثّلين عن القطاع الخاص الوافدين للمشاركة في الاجتماع. بالرغم من هذا القصور فقد قدّم السيد أنطوان بخعازي مداخلة مكتوبة تلاها على المجتمعين أظهر فيها أيلاء الشأن البيئي الاهمّية التي تستحق في كافة عمليّات الانتاج الزراعي. أمّا كاتب هذا المقال فقد قدّم مداخلتين أبدى في الاولى وجهة نظره حول أهمّية الشراكة بين الشركات المتخصّصة في الزراعة و التوضيب و التسويق من جهة و المزارعين من جهة عن طريق التعاقد من أجل توفير الغذاء المطلوب باعتماد قدرة الشركات على الابتكار و التمويل و التدريب و التسويق و تشغيل المزارعين و خاصة صغارهم في الانتاج بموجب مواصفات محددة و ملزمة. كما بيّن تجربته الخاصة الفريدة في التعاقد مع المزارعين في لبنان دون بيع و لا شراء مع امكانية تعميمها على كافة القطاعات الزراعية.

أمّا مداخلته الثانية فكانت حول رأيه في السياسات الواجب على دول العالم اعتمادها من أجل تحفيز الاستثمار في الانتاج الزراعي و بالتالي توفير الغذاء و الذي أودعها خطيّةً نيابة رئيس المنظمة لنقلها لمؤتمر القمّة العالمي للغذاء و التي تتلخص بما يلي:

يجب تشجيع الدول ذات القدرة على انتاج الغذاء دون دعم ان تتوسع في انتاجها كي توفر جزءاً من حاجة دول اخرى ذات قدرة محدودة للإنتاج.

على الدول ذات القدرة على انتاج الغذاء لكنها تدعم مزارعيها لأسباب تتعلق بسياسة الأمن الغذائي أو تدعيم النوعية، عليها ان تحدد مقدار انتاجها لحاجة مواطنيها فقط. على هذه الدول ان تتوقف عن انتاج فائض مخصص للتصدير لأنّ هذا الأنتاج المدعوم سوف يعطّل سياسة الأنتاج لدى الدول المستقبلة او المستوردة خاصة اذا كانت قد وقعّت اتفاقيات تبادل تجاري حرّ.

على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ان تتعدّل لتمنع كل انواع الدعم المباشر ومعظم انواع الدعم غير المباشر المخصّص لأنتاج فائض عن حاجة مواطني أي بلد ما.

يجب تشجيع التعاون الأقليمي بين دول أي منطقة جغرافية في العالم لغرض زيادة انتاج المواد الغذائية ولتبادل المنتجات الغذائية.

على الدول المستوردة لكن لديها الأرض الزراعية الصالحة والمياه اللازمة والمناخ المناسب لأنتاج الغذاء لكنها لا تفعل بسبب عوائق تقنية أو مالية، عليها أن تتبنى سياسة حمائية بقوانين ملزمة كي تخفف من استيرادها وتحفز الأستثمار من أجل انتاج الغذاء والوصول الى الأكتفاء الذاتي.

على الدول العربية، كمجموعة اقليمية، ان تعمل مجتمعة على توظيف رساميل خاصة بإنتاج الغذاء في دول كالسودان والمغرب والجزائر وتونس والعراق وسوريا كي تصبح مكتفية ذاتياً. على الدول العربية أن تتبنى سياسة حمائية لتحفيز هكذا انتاج والوصول الى الهدف المنشود.

على القطاع الخاص في كل دول العالم ان يأخذ على عاتقه مهمة الأستثمار في زيادة انتاج الغذاء.

على حكومات كل الدول أن تأخذ بالأجرائين التاليين من أجل زيادة انتاج الغذاء:

تنفيذ البنى التحتية التي تساعد على انتاج الغذاء كالطرق العامة والزراعية، والجسور، والأقنية، والبحيرات، وسكك الحديد، والمرافىء والصوامع وغيرها، على أن يتم تمويلها من أية مصادر ممكنة بما فيها البنك الدولي. وضع التشريعات اللازمة التي تحمي الأنتاج الوطني من منافسة المستورد.

أمّا التقرير النهائي الذي تمّ تجهيزه فقد كان محضّراً سلفا ً و لم يعرض للمناقشة بل طلب من المشاركين الذين لا يوافقون عليه بأن يطلبوا عدم ذكر أسمهم بين المساهمين في تبنّيها. و لدى مراجعتها تبيّن لي بأنّها على أهميتها أغفلت أموراً عديدة أهمّها: عدم التركيز على الشراكة العادلة بين الشركات المموّلة أو المسوّقة للانتاج الزراعي و بين المزارعين و خاصة صغارهم، و بشكل أخص عدم ذكر وسيلة التعاقد المناسبة بين هذه الشركات و المزارع. عدم ذكر الدعم الزراعي الذي تقدّمه الدول الصناعية للمزارعين لا لانتاج كفاية هذه الدول فحسب بل لانتاج يفوقه و يتمَ تصديره الى بلدان أخرى بأسعار تقلّ عن كلفة انتاج الاخيرة بسبب الدعم أصلاً. هذه العلًة ما زالت قائمة منذ انشاء منظمة التجارة العالمية بحيث لم تنجح الدورات الخاصة بمناقشة التبادل التجاري الحر للانتاج الزراعي بين اعضائها منذ عشرين سنة حتى الآن و كان آخرها دورات الدوحة المتتالية لهذا الغرض منذ عام 2004. هذا الفشل يعود الى تعنّت الدول الصناعية بالاستمرار في دعم انتاجها الزراعي و غزو الدول الاخرى بالمنتجات المدعومة و بالتالي عدم اعطاء الدول النامية فرصة تنمية قدراتها الانتاجية الزراعية و الغذاء و عدم تسهيل دخول المنتجات الزراعية و الصناعات الغذائية التي تنتجها الدول النامية الى الدول الصناعية بحجّة عدم مطابقتها للمواصفات القياسية التي تزداد صعوبةً و تعقيداً يوماً عن يوم.

أنني آمل بأن يستطيع مؤتمر القمّة العالمي للغذاء بأن يتنبّه لكل هذه المعوقات و يصوّب مسار المناقشات و التوصيات بحيث تأتي عادلة لكل أصحاب الشأن و تؤدي في النهاية الى نجاح الخطط المرسومة من أجل توفير الغذاء اللازم لأعداد سكان العالم المتزايدة و لمنع الجوع و الفقر.