!مستقبل الزراعة في لبنان
عنوان يستحق التأمل فيه مليّا خاصة بعد أن تراجع الإقبال على الزراعة في لبنان بعد هدوء محنة الحرب الأهلية في 1990 ومجيء حكومات متتالية آمنت بلبنان سياحيّ الطابع بإمتياز وغير معدّ للصناعة أو الزراعة.
لقد كان هذا الإعتقاد بمثابة خطأ مميت يستحق وضعه بالخيانة العظمى. ولتثبيت هذا الإعتقاد إعتمدت هذه الحكومات سياسة فرضتها منظمة التجارة العالمية خلال مفاوضة لبنان الإنضمام إليها والتي تمثلت بالآتي:
- وضع قانون حماية الإنتاج الوطني بصيغ تؤكد إستحالة الحماية والدليل هو أن هذا القانون لم يستطع حماية أي إنتاج وطني منذ وضعه موضع التنفيذ في 18/12/2006.
- وضع قانون حماية المستهلك الذي يجعل من كل الوزارات وخاصة وزارة الإقتصاد بمثابة شرطة مكافحة المصانع وخاصة الغذائية وتعريضها لأقصى درجات الغرامات المالية وإلى السجن في حالة المخالفة ولو كانت طفيفة، بينما ينعم الإنتاج المستورد للمثيل من هذه المنتجات إلى رفض دخول المنتجات غير المطابقة للمواصفات القياسية اللبنانية فقط دون محاكمة ولا غرامات ولا سجن. هذا القانون يشجع الإستيراد على حساب الإنتاج المحلي ويجعل المستثمرين مرعوبين من الولوج فيه.
- تخفيض الرسوم الجمركية إلى معدّل لا تتجاوز الـ 5% مع الإلحاح على التخفيض لكل منتج الى حدود صفر إلى 5% إذا ما أراد لبنان أن ينتقل من العضو المراقب إلى العضو الدائم لدى منظمة التجارة العالمية.
إضافة إلى إملاءات منظمة التجارة العالمية وإقتناع القيّمين على السياسة الإقتصادية في حينه فيها، أخذت الدولة إجراءات لمجاراة فكر العولمة منها:
- الإنجرار إلى توقيع إتفاقيات التبادل التجاري الحر مع دول عربية عدة ومجموعات كإتفاقية المنطقة العربية الحرة مع الدول العربية وإتفاقية اليورو متوسطية مع الإتحاد الأوروبي.
- تشجيع الإغتراب كون لبنان إعتاد عليه منذ الحرب العالمية الاولى ولا قدرة له على إستيعاب الأجيال الصاعدة.فالإغتراب ثروة بحد ذاتها تؤدي إلى تحويل أموال منهم وصلت إلى سبعمليارات دولار سنوياً.لقد تناسى المسؤولون على أن كلفة تنشئة وتعليم كل مواطن تفوق النصف مليون دولار وإنكلفة هجرة الـ25000 متخرج جامعي سنوياً هي 12,5 مليار دولار. إذاً هذه معادلةخاسرة خسارة مباشرة ناهيكم عن خسارة إنتاجيتهم ومساهمتهم في تطوير إقتصاد الوطن.
- التذرّع بأن سياسة الحماية تمّ تجربتها في دول عديدة وفشلت. وهذه مغالطة كبرى كون الدول الصناعية صاحبة العولمة آخذة بحماية إنتاجها من الدول الصاعدة بالرسوم الجمركية وبالمواصفات المغالى بها.
- القول بأن على لبنان أن يتجه إلى إقتصاد المعرفة كأن هذا التوجه على أهميته سوف يستوعب خمسين ألف وظيفة سنوياً ناهيكم عن أهمية تنويع الإقتصاد ومصادر العمل والدخل.
نتج عن هذه السياسة الأمور والمآسي التالية:
أولاً: تدفق المنتجات وخاصة تلك المدعوم إنتاجها أو مدعوم تصديرها من بلدان المنشأ إلى لبنان وزاحمت الإنتاج المحلي.
ثانياً: أقفلت صناعات عديدة ومنها الأحذية والألبسة والأدوية وتوقفت زراعات كالعدس والحمص والفول وتراجع الإهتمام بزراعات كالزيتون والتفاح، وتوقف إنتاج السكر بعد أن أوقفت الحكومة دعم إنتاج الشمندر السكري، ومنع إنتاج حشيشة الكيف.
ثالثاً: فُتِح باب التهريب من سوريا على مصراعيه لينافس إنتاج لبنان من الخضار والحليب ومشتقاته وبيض المائدة ولحم صدر الدجاج وغيرها.
رابعاً: تعاظم العجز التجاري إلى أن وصل إلى 17 مليار دولار سنوياً وتراجعت الصادرات من 5,5 مليار إلى 2,7 مليار دولار سنوياً.
خامساً: تعاظمت البطالة إلى أن وصلت إلى حدود 35%.
سادساً: هجرت الرساميل وهجرت الكفاءات وخسر لبنان طاقته العلمية والتي يعوّل عليها لتطوير مكانته الإقتصادية.
الحلّ
- الخروج من كل الإتفاقيات المكبلة لتنويع الإقتصاد وخاصة في القطاعات الإنتاجية ومنها الثنائية ومع أي مجموعة كانت سواء الأوروبية أو العربية أو الدولية واعتماد سياسة "حرية التبادل التجاري" وليس "إتفاقيات التبادل التجاري الحر".
- وضع رسوم جمركية كافية على معظم المستوردات وخاصة للمنتجات التي تنتج أو يمكن إنتاجها في لبنان.
- هذين الإجراءين يفتحان الباب أمام الإستثمار وبالتالي خلق فرص العمل.
- الإنغماس في القطاعات الإنتاجية يفسح في المجال أمام التطوير والإبداع وإلى تخفيف الكلفة وتحسين النوعية عن طريق المنافسة الداخلية وعدم الإحتكار.
- ضبط الحدود البرية مع سوريا لوقف التهريب.
- وقف العمل بدعم تصدير بعض المنتجات الزراعية لأن المُزارع لا يستفيد من هذا الدعم بل عدد محدود من المصدّرين فقط.
مبرّرات الحل
- قدرة القطاع الخاص لمعرفة مكامن النجاح كبيرة جداً.
- لا قدرة للبنان على الدعم والتعويض.
- فسح المجال أمام المستثمرين اللبنانيين وغير اللبنانيين للإستثمار في لبنان.
- فسح المجال أمام الخرّيجين وأصحاب الكفاءات في المساهمة في تطوير لبنان ورفعه مع الوقت من دولة ريعية إلى دولة منتجة ثم متطورة ثم صناعية.
- تخفيف العجز التجاري إلى حدود خمسين في الماية في غضون عشر سنوات.
- منع الإحتيال في تطبيق حرية التبادل التجاري كما هي الحال والمتمثلة في دعم الإنتاج ودعم التصدير واعتماد شهادة المنشأ العربية لمنتجات غير عربية المنشأ بطريقة الغش من الدول المصدِّرة إلى لبنان.
- لبنان ليس مصدّراً بشكل كبير كي يهرع إلى توقيع إتفاقيات التبادل التجاري الحر.
- فلننظر إلى العدو الإسرائيلي كيف هو ناشط منذ ما قبل نشأته كدولة في حماية إنتاجه الوطني وفي ترغيب هجرة اليهود إلى إسرائيل كي يساهموا في تطوير وتصنيع البلد.
- كثرة الإستيراد هي أكبر مصدر للفساد الذي يشكو منه المواطنون.
- لن يُحسَب للبنان حساباً إلاّ إذا أصبح بلداً صناعياً مع الوقت.
- ممارسات كل الدول الهادفة إلى حماية إنتاجها لوضع العراقيل ضد الإستيراد.
- الحجة الواهية التي تطلق بأنّ الحماية سوف تزيد من كلفة المعيشة وبالتالي لا قدرة لمعظم المواطنين على تحمّلها. الغلاء ليس مطلقاً بل نسبي أي نسبةً للدخل. يترتب على أي زيادة في كلفة المعيشة رفع الحد الأدنى للأجور وبالتالي كل الأجور. وهذه سياسة تنطبق على زيادة أسعار المستوردات كلما حصلت. فلما إستثناؤها للمنتجات الوطنية؟
تصرّف الدول الصناعية تجاه التبادل التجاري
- تمنّعت الدول الصناعية من توقيع إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ لدى منظمة التجارة العالمية للمنتجات الزراعية والغذائية والدوائية حمايةً لمزارعيها ومنتجيها وبحجة الإشراف المباشر على المنتجات الغذائية والدوائية.
- رفعت الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات المستوردة خلافاً لإتفاقيات التبادل التجاري الحر، مثلاً:
- رسم 30% على الحديد الأوكراني إلى الولايات المتحدة الأميركية.
- رسم 30% على إطارات السيارات من اليابان وكوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة الأميركية.
- منع إستيراد اللحوم من البرازيل إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
- تمهّل الصين 15 سنة قبل الدخول في منظمة التجارة العالمية وريثما بنت صناعتها المنافسة أولاً.
- وضع رسم 20% على كل المنتجات المكسيكية إلى الولايات المتحدة.
- منع إستيراد الخشب من كندا إلى الولايات المتحدة.
- الرئيس السيسي أصدر في 1/2/2016 قراراً برفع الرسوم الجمركية المصرية على 618 مادة مستوردة من 5% إلى 40%.
تحليل بعض مستوردات لبنان الزراعية والغذائية وإمكانية تخفيضها
في محاولة لتبيان المواد التي يمكن إنتاجها.في لبنان بصورة سريعة سعياً لزيادة الإستثمار ولتوفير فرص عمل للبنانيين، تبيّن أن المواد الواردة في فصول التعرفة الجمركية التالية هي القابلة لمثل هذه المحاولة:
تشكل قيمة المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية للحلول محل بعض المستوردات 1,725 مليار دولار من أصل 2,095 أي 82% من ذات المنتجات.
يحتاج إنتاج هذه المنتجات إستثمارات تقدّر بمليارَي دولار ويمكنها توفير 40,000 فرصة عمل جديدة خاصة في المناطق الزراعية كالبقاع والشمال والجنوب.
الخلاصة
على المسؤولين أن يعوا أنّ ضياع 28 سنة في متاهات فزلكة العَولمة وإقتصاد السوق قد جعلت من لبنان بلداً مستهلكاً غير منتج. ثمّ إنّ فرضية أن لبنان هو بلد سياحي منفتح ثبُت فشلها بظل الأزمات الأمنيّة المتلاحقة فخسرنا السياحة وخسرنا الإنتاج.
عليهم أن يُعيدوا النظر بكل السياسات العقيمة التي إعتمدوها وأن يلجأوا الى إعتماد رسوم جمركية فاعلة على كل المنتجات المستوردة والتي تنتج أو يمكن أن تنتج في لبنان.
عليهم أن يوقفوا العمل بكل إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ وإتفاقية اليورو متوسطية وإتفاقية المنطقة الحرة العربية ويعتمدوا مبدأ حرية التجارة والمتاجرة بدل تكبيل لبنان بإتفاقيات تبادل حرّ كون الأخيرة تجعل من لبنان بلداً مستهلكاً. لا بأس إذا ظلّ لبنان خارج منظمة التجارة العالمية لأنه لم يستفد ولن يستفيد من تخفيض الرسوم الجمركية تخفيضاً قاسياً لمراعاة شروط أعضاء المنظمة، بل توقّف عن تطوير قطاعاته الإنتاجية وقام بتصدير كفاءاته وطالبي العمل والرساميل الى خارج لبنان.