مصير القطاعات الإنتاجية في لبنان في ظل سياسة الانفتاح الاقتصادي
بقلم م. موسى فريجي*
اعتمدت الحكومات المتعاقبة منذ 1992 سياسة الانفتاح الاقتصادي دون الالتفات إلى مصلحة المواطن اللبناني وإلى مصلحة الاقتصاد اللبناني والوطن بشكل عام .
ليست هذه المقدمة قنبلة يذهب دويها في الفضاء الواسع دون أن يكون لها أثر على أرض الواقع بل هي تمثل حقيقة أنتجت هجرة الكفاءات ورأس المال إلى دنيا الله الواسعة تاركة لبنان للمتصارعين من كل الفئات غير القادرين على التفاهم على إدارة البلد وشؤون الناس .
إن مسؤولية تردي حال القطاعات الإنتاجية تقع على عاتق كل رؤساء الوزارات ووزراء المال والاقتصاد الذين تعاقبوا على الحكم منذ 1992 حتى يومنا هذا بدرجة رئيسية . فهؤلاء دأبوا على اعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادي المفرط بفتح باب الاستيراد على مصراعيه، وتخفيض أو إزالة الحماية الجمركية، وتوقيع اتفاقات التبادل التجاري الحر مع دول ومجموعات أخرى، دون الالتفات إلى مصلحة المنتج اللبناني صناعيا كان أو مزارعاً .
أن المنطلق الأساسي في رسم سياسة اقتصادية في أي بلد من بلدان العالم تنبع من مصلحة المواطنين كل المواطنين وتسعى لخدمتهم. لكننا رأينا بان المنطلق الأساسي الذي اعتمدته الحكومات المتعاقبة في رسم سياستها الاقتصادية وخاصة تلك التي تصيب القطاعات الإنتاجية هي التسابق على توقيع اتفاقات للتبادل الحر مع الدول والمجموعات الأخرى وكأن ذلك هو الإنجاز البطولي الذي يخدم لبنان. لكن مع الأسف بدل أن يخدم لبنان هدم اقتصاده كما سأظهر فيما يلي :
اتفاقات التبادل التجاري
تسعى أية دولة لعقد اتفاقات تبادل تجاري مع دول أخرى بغرض تعزيز قدرتها التصديرية عن طريق تخفيض الإجراءات الحمائية، جمركية كانت أم إدارية، لهذه الدول. هذا هو أيضاً الغرض الأساسي لتبني الدول الصناعية فكرة إنشاء منظمة التجارة العالمية مع ما رافق ذلك من إجراءات تنظيمية لهذه العملية. لذلك نرى الدول النامية، والفقيرة هي التي تتلكأ في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وفي عقد اتفاقات تبادل تجاري ثنائي مع دول أخرى لأن لا مصلحة لها في ذلك . أما لبنان، وهو دولة نامية، فقد أراد القيمون على حكمه بأن يخرجوه من دائرة الدول النامية لا بتنمية قدراته الإنتاجية والاقتصادية كما يجب أن يحصل فعلا،ً بل باضفاء صفة التحرر الاقتصادي عليه ظانين بان الصفة بحد ذاتها تجعل منه بلداُ متطوراً اقتصاديا حتى لا نقول صناعيا - كالدول الصناعية. هذا التباهي بالشكل دمر بالواقع القطاعات الإنتاجية في لبنان دون أن يفيد اقتصاد لبنان أو يعزز صادراته .
إن الميزان التجاري العام في لبنان سلبي، وهو سلبي مع كل دولة من دول العالم التي لنا معها علاقة تجارية. إن استيرادنا يزداد سنة عن سنة حتى بلغ 14.6 مليار دولاراً سنويا وصادراتنا ثلاثة مليارات وأربعماية مليون دولار أي نسبته من الواردات 24%. فهل يعقل أن نركز على مبدأ الانفتاح وبالتالي زيادة الواردات التي لن تكون إلا على حساب الإنتاج المحلي وتحل محله كلما زادت بينما المطلوب تخفيف الواردات ليحل الإنتاج المحلي محلها وبالتالي ينخفض عجز الميزان التجاري وتزداد فرص العمل ؟ هل فكر مهندسو الانفتاح وتوقيع الاتفاقات التجارية بالتوازن بين الصادرات والواردات مع الدول التي نوقع معها الاتفاقات، أم وقعوا للتباهي بالتوقيع دون فرض أية شروط تخدم مصلحة المنتج والمواطن اللبناني؟
لقد أصبحت حقيقة، لا جدال عليها بأن كلفة الإنتاج في لبنان مرتفعة ارتفاعا ملحوظا بالمقارنة مع معظم دول العالم. وأن سبب ارتفاعها يعود إلى إجراءات الدولة اللبنانية. فالدولة هي التي تفرض الرسوم والضرائب وهي التي تحدد أسعار الطاقة الكهربائية والمحروقات. وقد فرضت رسم القيمة المضافة قبل أن تنسق مع سوريا على ذلك الإجراء، خاصة في ظل الحدود المفتوحة على مصراعيها وفي ظل التهريب المنظم من سوريا إلى لبنان .
لست بصدد إثناء الدولة عن فرض الرسوم أو اعتماد رسم القيمة المضافة أو الاستفادة القصوى من الهواتف المحمولة لأنها بالفعل تحتاج إلى كل هذه الإجراءات لتصحيح الميزانية العامة وتخفيف العجز عنها. لكنني أرى قصر نظر الحكومة، في تخفيف أثر هذه الإجراءات، باعتمادها سياسات تؤدي إلى إقفال المؤسسات الإنتاجية وهجرة الكفاءات. هذان العاملان عامل الاستثمار وعامل الكفاءات هما اللذان يزيدان من الضائقة الاقتصادية دون تصحيح للميزانية العامة. والغريب العجيب أن سياسة الانفتاح منتهجة منذ خمسة عشر سنة والحالة الاقتصادية بتدهور متنام. فكيف لا ترى الحكومة ضرورة تعديل هذه السياسة لتصحيح الوضع؟
منطق وفلسفة المسؤولين حيال سياسة الانفتاح
كان المسؤولون عن إدارة الشؤون الاقتصادية من رؤساء وزارات ووزراء ومستشارين اقتصاديين كلهم ينتمون إلى مدرسة واحدة وهي مدرسة الانفتاح. كانوا ومازالوا يؤمنون بأن كلفة الإنتاج المرتفعة في لبنان تجعل من المنتجات الصناعية والزراعية غير ذي جدوى وبان من يستطيع أن ينتج إنتاجا مميزا له ميزة تنافسية مع مثيله من المستورد، أو له قدرة تنافسية تجعله قادرا على ولوج أسواق التصدير، فليتفضل وينتج في لبنان. أما كل ما تبقى فرحمة الله عليه عاجلاً أم آجلاً دون أي أسف وكأنه سلعة لا بأس إذا تلفت .
كتبت لوزير الاقتصاد الأسبق أعترض على تهريب لحم الدواجن من سوريا وكذلك تهريب الأجبان والألبان بطرق غير صحية وبأن سبب التهريب في ظل اتفاقية تحرير التجارة بين البلدين دون أية رسوم جمركية ما هو إلا تهرب المهربين من إجراءات الفحوصات المخبرية والـتأكد من عدم تلوث هذه المواد وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي. كان جواب الوزير على كل ذلك أنه من المفيد أن يتم تهريب لحم الدواجن إلى لبنان كي ينخفض سعره للمستهلك اللبناني.
أن وزير الاقتصاد وأركان وزارته قادرون على ملاحقة المنتج اللبناني وتطبيق القوانين عليه، وهذا حق ، لكنهم يغضون الطرف إلى درجة المباركة عن ممارسات التهريب عملا بالمثل القائل " جحا ما فيه إلا لخالته".ينتمي وزير الاقتصاد السابق إلى ذات المدرسة لكنه أكثر تشبثاً. فهو يقول عن نفسه أن "أفكاره شرسة وأن أسلوبه صريح ولا يقبل المسايرة في موضوع الانفتاح" ولو كان ذلك على حساب إقفال كل مصانع ومزارع لبنان . وهو يقول "أن اقتصاد لبنان في القرن التاسع عشر اعتمد على تربية القز وصناعة الحرير بشكل كبير، وها قد انقرض القز وبقي لبنان." فلا بأس برأيه من إقفال كل الصناعات والزراعات التي لا تستطيع منافسة بديلاتها من المنتجات المستوردة. فهمه الأكبر هو تخفيض قيمة المنتجات للمستهلك اللبناني من أي جهة أتت .
عبثا حاولت سوق المبررات التي تؤكد قدرة المنتج اللبناني على المنافسة في أجواء مؤاتية. إن في لبنان أو خارجه، والإشارة إلى أسعار المنتجات المستوردة أو المهربة هي متدنية نسبيا لأسباب تعود إما للدعم المباشر أو غير المباشر في الدول المنافسة أو لأسباب رخص عناصر الإنتاج في هذه الدول. فجاءت محاولاتي دون جدوى .
يعتقد الوزير الإقتصاد السابق اعتقادا راسخا بأن ما لا يزيد عن 20% فقط من اللبنانيين يعملون بالزراعة والصناعة مجتمعين من هنا لا بأس بالتضحية بهم. لكنه على ما يبدو نسي أن كل سكان البقاع والجنوب والشمال يعملون بالزراعة والصناعات الزراعية أو الصناعات الخفيفة وعددهم يناهز المليوني نسمة أي نصف عدد سكان لبنان. ثم لا أدري لما يتسابق المسؤولون إلى إعادة تعمير الجنوب والبقاع اللذين دمرتهما إسرائيل بعدوانها الأخير؟ هل لعودتهم لإدارة مصانع السيارات أم مناجم الفحم أم لإعادة تشغيل الفنادق والكازينوهات . لعلهم نسوا أن عودتهم إلى بيوتهم تعني عودتهم إلى زراعة أرضهم واقتناء الدواجن والأبقار والأغنام والتشبث بالأرض المعطاء والمحافظة عليها خضراء لا يابسة .
بقى أن نقول إن عباقرة الاقتصاد في الحكومة يقبلون بدعم التبغ والقمح ودعم تصدير بعض المنتجات الزراعية لا قناعة منهم بل إذعانا لضغوط السياسيين المؤثرين. إنني من الذين يؤمنون أن سياسة الدعم هي سياسة خاطئة وهي سياسة غير مقبولة لدى منظمة التجارة العالمية بينما سياسة الحماية خاصة الحماية الجمركية هي سياسة مقبولة من منظمة التجارة العالمية. لكن المسؤولين بعدم اعتمادهم السياسة الحمائية يضطرون للقبول بسياسة الدعم لبعض المنتجات، وبصورة مؤقتة كسبا للوقت على أن ينسحبوا من هذه السياسة في الفرصة السانحة . إنهم بدخولهم منظمة التجارة العالمية برسوم جمركية منخفضة إنما يثبتون هذه الرسوم المنخفضة لأنه لا يجوز لهم زيادتها بعد الانضمام وعليهم بالضرورة إيقاف كل أشكال الدعم عاجلاً أم أجلاً بعد دخولهم هذه المنظمة. هذا ما يفسر سياسة المماطلة وكسب الوقت والضحك على المزارعين .
ما لا يستطيع المسؤولون رؤيته
من المؤسف حقاً أن تعامي الحكومة عن اعتبارات عديدة مهمة في رسم السياسات الاقتصادية أدت وتؤدي إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وإلى هجرة الرساميل والكفاءات وبالتالي إلى تفريغ البلد من أبنائه.
فالإنماء المتوازن هو سمة الدول المتقدمة. فها هي الولايات المتحدة دولة صناعية بامتياز لا تهمل الزراعة مثلاً . فقد أضحت بدعمها المباشر وغير المباشر للزراعة أكبر مصدر للذرة وفول الصويا في العالم وهي مكتفية ذاتيا بإنتاج القطن والأرز والدواجن والألبان واللحوم الحمراء وقد بلغ دعمها للزراعة 180 مليار دولار سنويا. وهاهو الاتحاد الأوروبي يدعم الزراعة حتى يومنا هذا بمبلغ يفوق 50 مليار يورو سنويا لإبقاء مزارعي الأبقار والقمح والزيتون وغيرها في أرضهم . وهاهي كندا وبالرغم من انضوائها تحت منظمة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية "نافتا" تضع رسوما جمركية على مستورداتها من الألبان والأجبان ولحوم الدواجن والأبقار تفوق 200% من أي دولة بمن فيها الولايات المتحدة ذاتها . وهاهي اليابان تمنع دخول اللحوم الحمراء والأرز من الولايات المتحدة أو غيرها بالرغم من انضمامها لمنظمة التجارة العالمية.
الجدير ذكره أن اتفاقيات تبادل المنتجات الزراعية شاملة المنتجات الغذائية في منظمة التجارة العالمية لم تبصر النور حتى يومنا هذا بالرغم من مرور خمسين عاماً على تأسيس منظمة الغات، التي تحولت إلى منظمة التجارة العالمية، إحدى منظمات الأمم المتحدة 0 سبب ذلك يعود في الأصل إلى ممانعة الدول الصناعية وتشبثها بحماية ودعم الزراعة والمزارعين في بلدانها 0
أما لماذا استثنت وتستثنى الدول الصناعية الزراعية من اتفاقات التبادل التجاري الحر فلاعتبارات أهمها المحافظة على الإنماء المتوازن بين قطاعات الاقتصاد المختلفة في بلدانها.
فهي ترى وتسعى إلى الأمن الغذائي والاعتماد على النفس في توفير غذائها وهى ترى وتسعى إلى المحافظة على البيئة وعلى البنى الاجتماعية المتوازنة فلا تقبل بالتضحية بالمزارعين وتريدهم مواطنين ميسورين محترمين يكاد لا يختلف مستوى معيشتهم عن أي مواطن آخر وخاصة في حصولهم على ذات مستوى التعليم والاستشفاء والغذاء والشيخوخة كأي مواطن يعمل في الخدمات أو الوظائف العامة أو في السياحة وغيرها .
لقد مر على توقيع لبنان على اتفاقية التبادل التجاري الحر مع مجموعة الدول الأوروبية سبع سنوات. لم ينتج عن هذه الاتفاقية إلا زيادة تدفق المنتجات الأوربية وانحسار الصادرات اللبنانية إلى أوروبا . ذلك عائد إلى تخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات الأوروبية في مقابل إحكام الدول الأوروبية المواصفات القياسية للمنتجات المستوردة إحكاما يصل إلى حد التعجيز أحياناً . ناهيك عن أن الحكومة اللبنانية عجزت عن إحياء مختبرات كفوءة ومعتمدة Accredited تستطيع التثبت من صحة وصلاحية المنتجات المستوردة من جهة وسلامة المنتجات المراد تصديرها من جهة أخرى. وهذا عائق كبير من عوائق تصدير المنتجات اللبنانية الغذائية بشكل خاص إلى الدول الأوربية .
أما تركيا فهي بلد يدعم تصدير كل منتجاته دعماً كبيراً بطرق مباشرة وغير مباشرة. وعامل الدعم هذا كان وما زال السبب الأساسي لقدرة تركيا على زيادة حجم صادراتها . والدول العربية الخليجية توفر الأرض والطاقة الكهربائية وكذلك المحروقات بأسعار تشجيعية للغاية. كما أنها تستورد كل الخامات الأخرى دون رسوم وتستخدم القوى البشرية الماهرة منها وغير الماهرة من دول أخرى وبذلك تنتج منتجات مختلفة وعلى رأسها منتجات غذائية بأسعار منافسة بالرغم من عدم تمتعها بشروط المنشأ العربي القاضي بوجوب كون المنتج مستحوذا على ما يزيد عن 40 % من المدخلات الوطنية . ومع ذلك نرى أن اتفاقية التبادل التجاري الحر مع دول الخليج تسمح بدخول هذه المنتجات بأسعار منافسة إلى لبنان ينتج عنها إغلاق مصانع المنتجات الغذائية اللبنانية الواحدة تلو الأخرى .
أما المملكة العربية السعودية فهي تدعم الإنتاج الزراعي والصناعي بأشكال مختلفة على رأسها سعر الطاقة المنخفض وسعر المحروقات المنخفض والأرض المجانية والقروض دون فائدة لأثنى عشر سنة والدعم المباشر لكلفة الإنتاج كالدعم لمادتي الذرة والصويا بخمسماية ريال عن كل طن مستورد0 وفوق هذا وذاك تضع رسوما جمركية على منتجات عديدة كالدواجن مثلا بمبلغ ألف ريال على كل طن من الدواجن المستوردة المجلدة وتمنع ومنذ 1986 دخول بيض المائدة والصيصان عمر يوم وبيض التفريخ من دول طوق إسرائيل وهي مصر والأردن وسوريا ولبنان دون أي سبب واضح غير الحماية للمزارعين السعوديين. وعبثا كتبنا لوزير الإقتصاد ولرئيس مجلس الوزراء نطالبهما بإيقاف هذا المنع غير المبرر في الوقت الذي تستورد المملكة العربية السعودية كل هذه المنتجات من دول العالم بأسرها مخالفة بذلك "وعلى عينك يا تاجر" اتفاقية التبادل التجاري الحر مع لبنان ولا من يحاسب ويدافع عن حق اللبنانيين.
وهكذا نرى أن قدرة عديد من الدول المنافسة تعود أصلا للدعم المباشر أو غير المباشر أو لتوفير عناصر الإنتاج باكلاف متدنية منتجة أصلا في بلدها ولا يعود إلى عبقرية الناس في تلك الدول أو لتفوقهم الفكري أو العلمي على اللبنانيين.
من هنا كان على المسؤولين اللبنانيين اعتماد مبدأ حرية التبادل التجاري بحسب مصلحة لبنان مع كل دولة على حدة وحرية انسياب المنتجات بشكل حر غير مقيد باتفاقات ملزمة معيقة لنموه الاقتصادي. فالفرق كبير بين حرية التبادل التجاري واتفاقيات التبادل التجاري الحر بالنسبة إلى لبنان ومكونات اقتصاده وحالة عجز ميزانياته العامة وارتفاع كلفة إنتاجه وبالتالي عدم قدرته على التصدير.
فما هو الحل؟
الحل يكمن في اعتماد أهداف واضحة أهمها:
خفض الميزان التجاري مع كل دولة على حده. خفض حجم الاستيرادات. تشجيع الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية. خلق فرص عمل لكل فئات المواطنين وبالتالي التخفيف من الهجرة وتشجيع عودة الكفاءات للعمل في الوطن.
من اجل بلوغ هذه الأهداف على الحكومة آن تأخذ خطوات تؤدي بالضرورة وبسرعة إليها أهمها إلغاء الاتفاقات المبرمة مع كل الدول آو الطلب من الدول الموقعة على تعديلها تعديلا يضمن مصلحة لبنان ويستجيب للأهداف الأربعة أعلاه.
وضع رسوم جمركية فاعلة على كافة المنتجات النهائية التي لها مثيل أو كان لها مثيل أو يمكن أن يكون لهل مثيل في لبنان. يتماشى هذا الإجراء مع شهية الدولة على تحصيل الضرائب على كل حال. فلما تحرم الخزينة من هذه الميزة؟ مفاوضة منظمة التجارة العالمية بالدخول بالمنظمة بظل الرسوم الجمركية أعلاه وإلا فليؤجل دخول لبنان بالمنظمة.
إلغاء الرسوم الجمركية عن كل مدخلات الإنتاج التي تدخل في الصناعات والزراعات والتي لا تنتج ولا يمكن إنتاجها في لبنان وذلك مساهمة في تخفيض اكلاف إنتاج المنتجات النهائية صناعية كانت أم زراعية.
إلغاء كافة أشكال الدعم للمنتجات الزراعية والصادرات الزراعية وتوفير المبالغ المدفوعة على خزينة الدولة ضبط الحدود البرية مع سوريا ومنع التهريب منعا كاملا
فالحماية الجمركية مشروعة في منظمة التجارة الدولية وهي تترك مستواها للتفاوض مع الدول الأعضاء عشية دخول لبنان في المنظمة. أن تشبث لبنان بجمارك مرتفعة لمنتجات صناعية وزراعية محددة لن يثير حفيظة الدول الشركاء في المنظمة خاصة وان لبنان بتكاليف إنتاجه المرتفعة لا يشكل عنصر تهديد للمنتجات المماثلة لدى هذه الدول.
أما الدعم فهو من ناحية غير مقبول من منظمة التجارة العالمية ومن الناحية الأخرى هو عبء ثقيل على خزينة الدولة. والاهم من هذا وذاك فالدعم لمنتجات زراعية بعينها يحفز المزارعين على التركيز على زراعة المنتج المدعوم على حساب مزروعات أخرى. والدعم هذا يصبح مناطقيا من جهة ويرفع أجور ضمان الأراضي الزراعية بشكل اصطناعي وبالتالي يرفع من كلفة المزروعات الأخرى في مناطق زراعة المنتج المدعوم. بينما إلغاء الدعم يخفض من ضمان الأراضي و يخفف من كلفة إنتاج المزروعات الأخرى وبالتالي يعمم الزراعات الأخرى على حساب استيرادها. و أخيرا فان دعم التصدير يفتح الباب أمام الدول المستوردة إلى وضع رسم إغراق تجيزه منظمة التجارة العالمية يوازي قيمة الدعم وبذلك ينتفي الغرض من الدعم.
على القيميين على الشأن الاقتصادي استهداف إخراج لبنان من دائرة الدول النامية حسب تصنيف الأمم المتحدة إلى دائرة الدول المتقدمة. وهذا الهدف لن يتحقق إلا على يد اللبنانيين كل اللبنانيين.
فلبنان لن يصبح دولة متقدمة متطورة بخدماته المصرفية والطبية والتعليمية وبسياحته وحدها كما يحلم المسؤولون، ذلك أن أية هزة أمنية حقيقية أو مفتعلة تطيح بكل الخدمات والسياحة دون استثناء. كما لا يجوز تحويل لبنان وكل قدرات بنيه إلى الخدمات والسياحة لان ذلك يتطلب بالضرورة نزوح السكان إلى أماكن الخدمات والسياحة وترك الريف ومناطق عديدة وشاسعة " للواوية". ناهيك على اعتماد لبنان اعتمادا كليا في ظل هكذا تصور إلى استيراد مأكله ومشربه وملبسه وكل حاجاته الأخرى والبقاء تحت رحمة الدول الموردة.
إن حماية الحدود البرية مع سوريا ومنع التهريب اصبح واجبا ملحا صيانة لهيبة الدولة وكرامتها وحفاظا على مصلحة المنتجين اللبنانيين. أما التذرع بعدم إمكانية القيام بهذه المهمة فهذا اعتراف بعجز الحكومة على القيام بأولى واجباتها وهي حماية حدودها.
بقى أن نقول بأن الحكومة التي لا تستطيع أن توفق بين كلفة المعيشة للمواطن من جهة وبين محاربة البطالة وهجرة الكفاءات ومعالجة التضخم من جهة أخرى لا تتمتع بالرؤية والحكمة اللازمتين لإدارة شؤون البلد الاقتصادية. فنسبة البطالة الحقيقية تفوق 40% طالما نرى أعدادا كبيرة من اللبنانيين يهاجرون وراء لقمة العيش ومنذ 1992 حتى الآن. ونجاح الحكومة بالسياسة الاقتصادية يقاس بقدرتها على الحد من البطالة ومن هجرة المواطنين سواء كانوا عاملين أو مستثمرين لأنهم بناة الوطن والعامل الأول لرقيه وازدهاره