أثارت حملة معالي وزير الصحة وائل أبو فاعور على مصانع الأغذية والمسالخ ومنافذ البيع والمطاعم ضجّة كبيرة خلال الأسابيع الماضية.
هلّلت العديد من وسائل الإعلام لهذه الحملة وإعتبرتها سابقة جريئة.
كما إستاء العديد من المتضرّرين منها كونها شهَّرت بهم وبالتالي أثّرت على سمعتهم ومبيعاتهم. لمّا كانت حماية المستهلك من الغش مُناطة أصلاً بوزارة الإقتصاد، فقد إنتقد وزير الإقتصاد الحملة كما هي وإعتبرها تعَدٍّ على صلاحيّاته من جهة وإضراراً بالإقتصاد العام. كما قام وزير الزراعة بالإعلان على أنّ الكشف على المزارع المنتِجة ومسالخ الدواجن هي من صلاحيّة وزارته.
وإنتقدَ وزير السياحة الحملة خاصةً على المطاعم كونَها تضرّ بالسياحة. وأخيراً قام وزير الصحة الأسبق الدكتور محمد جواد خليفة وأثار موضوع مُحتوى اللّحوم الطازجة غير المطهيّة من السلمونيلا والإي كولاي وأكّد أنّه يستحيل عدم إحتوائها كما هي بشكل كامل على هذه الجراثيم وهي غير مُعدّة للأكل إلاّ بعد طهيِها.
مشكلة هذه الحملة متعدّدة الأوجه:
أولاً: إنّها لم تفرّق بين فحص المنتجات الغذائية المعدّة للإستهلاك كما هي معروضة للبيع كالماء والحليب واللبن واللبنة والجبنة والمرتديللا مقارنةً مع اللحوم الطازجة والمفرومة والمُتبّلة والتي تحتاج الى طهي قبل إستهلاكِها. فمن الواجب على الأولى أن تكون خالية من الجراثيم بينما فئة اللحوم الطازجة فهي غير معدّة للإستهلاك قبل طهيِها وتشمل الدجاج ومقطّعاته واللحوم الحمراء والكفتة والسجق والمقانق والصفيحة وغيرها. فكل العالم يقبل بمستوى معيّن من التلوّث ويفرض على المسالخ والمصانع السّعي لتخفيف مستوى البكتيريّات سنةً بعد سنة ولا يُعرّض أصحابها للمهانة والتشهير والمحاكم والغرامات والسجن.
ثانياً: إعتمدت وزارة الصحة على مواصفات المؤسسة اللبنانية للمقاييس والمواصفات، وهذه المواصفات مُغالاً بها بالنسبة لِلّحوم وخاصةً المُقطّعة أو المفرومة الطازجة مقارنةً مع دول كالولايات المتحدة الأميركيّة والإتحاد الأوروبي.
ثالثاً: تعتمد المحاكم التي تُحال إليها المخالفات على قانون حماية المستهلك الذي يُحدّد الغرامات والسجن وهذا القانون هو قانون جائر جداّ الى درجة أنّه لا يُشجّع على الإنتاج المَحلّي ويُساير الإنتاج المُستَورَد.
رابعاً: لا وجود لمعايير موحّدة لكل الوزارات بشأن إجراء الفحوصات وأخذ العيّنات. فهذه متروكة لرأي المُراقب وتصرّفاتهِ. لذلك نرى معاملة مختلفة من منطقة الى أخرى ومن محافظة الى أخرى.
خامساً: إنّ مستوى المُراقبين العِلمي يختلف بينهم إختلافاً كبيراً فبينما أحدُهم حاصل على شهادة الماجستير في سلامة الغذاء نرى آخر يعمل في محافظة أخرى بالكاد حاصل على شهادة بكالوريا وليس من ذوي الإختصاص. من هنا نرى أنّ ملاحظات وبالتالي توصيات أو قرارات أحدهم متشدّدة بينما قرارات الآخر متساهلة حيال المخالفات وما يصل الوزير من تقارير من المراقبين يُعتبر مرتبطاً بمستوى الرقابة، ناهيكم عن النزاهة.
سادساً: هنالك تشدّد لا بل رفض لإستقبال المراقبين في بعض المناطق اللّبنانيّة ممّا يجعل الضّرر الناتج عن كشف تجاوزات أو مخالفات محصوراً في مناطق أو أقضية محدّدة متساهلة قابلة بتطبيق القانون.
من هنا أرى أنّ الحلول لهذه المشكلة تكمن أولاً في تعديل المواصفات القياسيّة لدى ليبنور وثانياً في تعديل قانون حماية المستهلك وثالثاً في إقرار قانون سلامة الغذاء وإنشاء مجلس سلامة الغذاء ليقف وحده على تطبيق القانون فتصبح بذلك مهمّة وضع المواصفات والقوانين والإجراءات بِيد المجلس وليست مشتّتة بين أربع أو خمس وزارات.