محنة الإقتصاد اللبناني لا تتمثّل بالعبث في أموال المودعين في البنوك اللبنانيّة فحسب، بل تتعدّاها إلى تاريخ من السياسة المنظّمة ضدّ تفعيل القطاعات الإنتاجيّة في لبنان منذ العام 1992.
فقناعة المسؤولين عن السياسة الإقتصاديّة القائلة بأنّ لا مكانة للبنان في الإقتصاد المنتج منذ العام 1992 وابتداءً برفيق الحريري ومرورًا بفؤاد السنيورة ورياض سلامة، ثمّ سعد الحريري والشلة الفاسدة من حوله وأخيرًا بنجيب ميقاتي ومستشاريه الخونة الجهلة، وكذلك ما يسمّى بالهيئات الإقتصاديّة المتمثّلة بإتّحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة والمجلس الإقتصادي الإجتماعي وبجمعيّةالتجّار والعديد من النقابات والتجار المستوردين، كلّ هؤلاء هم مسؤولون مسؤوليّة مباشرة تستدعي محاكمتهم إن في قبورهم أو في قصورهم.
فإتفاقيّات التبادل التجاري الحرّ مع المجموعة الأوروبيّة ومع الدول العربيّة لم يكنلها أن تحصل إلّا على يد المنتفعين من هكذا إتفاقيات عن طريقإلغاء الرسوم الجمركيّة على معظم السلع المستوردة والإنخراط بالحصول على الوكالات الحصريّة واستيراد السلع المدعوم إنتاجها من حكومات مصدرها وبالتالي وصول هذه السلع الى لبنان بأسعار أقلّ من كلفة إنتاجها من مصدرها.
هكذا سياسة أدّت إلى تحويل لبنان من بلدٍ منتج إلى بلدٍريعي بإمتياز. كما أدّت هكذا سياسة إلى فقدان فرص العمل لخمسة وعشرين ألف متخرّج جامعي سنويًا وبالتالي خسارة كلفة تربيتهم وتعليمهم مقارنةً مع ما يوردونه إلى لبنان بمقدار 6,5 مليار دولار سنة بعد سنة، ناهيكم عن قيمة إنتاجيّتهم فيما لو ظلّوا عاملين في لبنان.
إنّها سياسة الإنصياع إلى الدول المستفيدة من إستيرادات لبنان التي وصلت الى 20 مليار دولار سنويًا مقابل تصدير لم يتعدّى الـ 3 مليارات، أي بعجز تجاري بلغ 17 مليار دولار سنويًا. إنها سياسة إستهدفت عدم تمكين لبنان من الولوج بالتصنيع وبالإنتاج الزراعي وبالأمن الغذائي وبالتطوّر وتخفيض الكلفة وتحسين النوعيّة والمشاركة في التصدير.
إنّها سياسة سمحت للعديد من التجار والمستفيدين، سواء موظفين أو سياسيين، الإنغماس بالفساد والحصول على أرباح ورشوات على مدى 30 سنة. كما استفحل أمر الفساد هذا الى تفريغ البنوك من مدّخرات المواطنين والمغتربين والإستيلاء عليها عن طريق الرشوات والعمولات والصفقاتالمشبوهة ثمّ الإنخراط في السياسة من نيابة الى وزارة الى وظيفة من الفئات المتقدّمة والقضاء المسيّس، الى المجالس الخاصّة وما أكثرها التي تتمتّع بإستقلاليّة ومرجعها الشيطان الأكبر رئيس مجلس الوزراء.
يا لها من عصابة فاقت جرائمها جرائم الطليان في نيويورك وشيكاغو.المصيبة الكبرى أنّهم ما زالوا في مراكزهم ممسكين على مفاصل الدولة خوفًا من محاسبتهم واستمرارًا لغيّهم.
لن يستقيم وضع لبنان الإقتصادي سوى برحيل كلّ من أتى هذا المقال على ذكرهم عن طريق إنتفاضة ولو شرسة،ثمّ تجميد العمل بكلّ إتفاقيّات التبادل التجاري الحرّ ووضع رسوم جمركيّة فاعلة على كلّ الكماليّات والسيارات الفخمة وعلى كلّ مادّة تنتج أو يمكن إنتاجها في لبنان.
إنّ هكذا سياسة سوف تخفّض من استفحال هجرة الكفاءات وتخفّف من الإستيراد وتسمح لإحلال منتجات مثيلة محليًا وتخلق فرص عمل للمتعلّمين والمهرة والعمالة وتساهم في رفع شأن الإقتصاد.