يصعب إنصاف الصناعيين والمزراعين بظل بيان الحكومة

December 01, 2009 Musa Freiji Articles

"تطلّعاً إلى النهوض بالإقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة لمصلحة جميع اللبنانيين ولا سيّما منهم الفئات الأكثر عوزاً، تنطلق سياسة الحكومة" ( مادة 25 ). "أمّا الفرص المتاحة، يترّتب على الحكومة السّعي إلى إفادة اللبنانيين جميعاً من منافع النمو الإقتصادي بحيث يطول في شكل متكافىء، فئات المجتمع كافة وكل المناطق اللبنانية. ويعني ذلك وقبل كل شيء مكافحة الفقر وتقليص التفاوت الإقتصادي والإجتماعي بين اللبنانيين" ( مادة 26 ).

"يفترض السعي إلى تطوير الإقتصاد، الإفادة في خصوصيّة بلدنا وتطوير ميزاتنا التفاضلية ومن شأن كل ذلك أن يتيح لنا الإرتقاء إلى مستويات تحرّر المواطن من العوائق التى تحدّ من طاقته وتقيّد قدراته على الإنتاج والإبداع" ( مادة 27 ).

والمادة 28 فقرة أولاً تقول "السعي إلى إستكمال تطوير البنية التحتيّة الماديّة والمؤسساتيّة والتشريعيّة الملائمة لمصلحة اللبنانيين جميعاً والقطاعات الإنتاجية كافة ممّا يؤدي إلى تحفيز النمو ليحقق مستويات عالية ومستدامة، ويسهم في مكافحة البطالة الحقيقية والمقنّعة، خصوصاً لدى الشباب، ووقف هجرة الأدمغة التي تستنزف الموارد البشرية في لبنان، والسعي أيضاً إلى إرساء نمط من النمو كفيل بتوفير فرص عمل جديدة في المدن والأرياف وتقليص العجز في مبادلات لبنان الخارجية وتعزيز توازن الفرص الإقتصادية بين المناطق من خلال تكاملها وترابطها والتشدد في الحرص على الموارد النادرة من بشرية وطبيعية وثقافية".

أما المادة 29 – فقرة 1 تتحدث عن " تحفيز النمو والتنمية المناطقية، وإيلاء الأرياف إهتماماً خاصاً، وبالتالي التشجيع على توفير فرص عمل جديدة من خلال تطوير كل القطاعات الإنتاجية، التقليدية منها أو الجديدة الواعدة، ومنها الصناعات الخفيفة غير الملوثة والصناعات الإبداعية، كالحرفية والفنية والثقافية والإعلامية، وإنشاء مناطق صناعية".

والمادة 29 – فقرة 10 تؤكد على " تطوير القطاع الزراعي وتحفيزه وفتح مجالات أوسع في الخارج للمنتجات الزراعية اللبنانية". والمادة 29 فقرة 11 تؤكد على " تطوير القطاع الصناعي وتحفيزه وزيادة الصادرات المحلية، بتفعيل إنتاجية القطاع وتحسين جودة المنتجات الصناعية وتشجيع الصناعات الجديدة ذات القيمة المضافة التي يستطيع لبنان المنافسة بها على نطاق إقليمي عالمي".

وهكذا نرى في المواد الخمسة سيلاً من نوايا الحكومة الحسنة تجاه القطاعات الإنتاجية. فكثرت عبارات السعي والتشجيع والتحفيز إلى أن بلغت حداً بعيداً عن إمكانية التطبيق خاصة وأن هذه الأوصاف لم تقترن بوعود وضع القوانين والتشريعات التي، حقاً و وحدها، تشجع وتحفز القطاع الخاص لكي يقوم هو، وليس الحكومة، بالتطبيق من أجل الوصول إلى الغايات الموصوفة في الشق الإقتصادي من البيان الوزاري.

وعندما نعود وندقق بالمادة 29 – فقرة 5 والتي تشرح "إلتزام الإتفاقات التي وقعها لبنان في المجالين الإقتصادي والتجاري مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، والسعي إلى توفير الأطر الكفيلة باقدار القطاعات الإنتاجية على مواكبة إنفتاح الأسواق العالميـة، ممّا يساعـد على إنخراط فيها أوسع وأجدى، وإستكمال عملية إنضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية، والسعي دون إبطاء في تنفيذ مقتضيات سياسة دول الجوار الأوروبية، والمشاركة في مبادرة الإتحاد من أجل المتوسط، وتفعيل التعاون مع مؤسسات التمويل العربية والدولية "نرى فوراً التناقض وإستحالة تنفيذ كل التمنّيات والمساعي والتشجيع والتحفيز الواردة في المواد 25 إلى 29 من البيان وذلك لسببين وجيهين:

أولاً : إنّ فئات اللبنانيين الأكثر عوزاً ( مادة 25 ) يقطنون في مناطق زراعية معروفة بحرمانها من رعاية الدولة منذ ما قبل الإستقلال. إن موردهم الأساسي هو الزراعة والصناعات الغذائية. أي تطوير في هذا المجال لن يأتي إلاّ على يد الشركات التي تتعاقد مع المزارعين كي يقوموا بزراعة منتجات محددة بأسعار مربحة لهم. والشركات هذه لن تقدم على الإستثمار في منشآت التصنيع والتوضيب والتسويق إلاّ إذا كان بمقدورها منافسة المستورد. لكنّ الحكومات المتعاقبة منذ 1992 درجت على إبرام إتفاقات التبادل التجاري الحر الثنائية والجماعية مع عديد من الدول وكلّها دون إستثناء تستطيع الإنتاج بأسعار أقل لأن هذه المنتجات مدعومة من دولها بأشكال مختلفة. وها هي الحكومة الحالية تتعهد بموجب المادة 29 فقرة 5 "بإلتزام الإتفاقات التي وقعها لبنان مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية" وإستكمال عملية إنضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية".

ثانياً : إنّ تطوير البنية التحتية المادية والمؤسّساتية ( مادة 28 ) لا شك سوف يساعد على تخفيف كلفة الإنتاج لكنّه وحده لن يكافح البطالة ولن يوقف هجرة الأدمغة ولن يوفّر فرص عمل جديدة إلاّ إذا تزامن مع تشريعات تضمن للمستثمرين فرص نجاح إستثماراتهم لأنّهم هم الذين سوف يوفروا فرص العمل ويساهموا في إيقاف هجرة الأدمغة. ولطالما كانت كلفة إنتاج المنتجات الصناعية والزراعية في لبنان مرتفعة مقارنة مع كل الدول التي وقعنا معها إتفاقيات تبادل تجاري حر فلن يكتب لتحفيز الإستثمار فرصة للنجاح. وهذا ينطبق على إستحالة تنفيذ المواد 29 فقرة 1 و29 فقرة 10 و29 فقرة 11.

بناء لما تقدم نقول بأن الوسيلة الوحيدة أمام لبنان كي ينفذ المساعي والتشجيع والتحفيز للقطاعات الإنتاجية الصناعية منها والزراعية وكلها أمنيات نبيلة ومحقة، تقع في وضع تشريعات جديدة تساعد القطاع الخاص على القيام بهذه المهمة بأكملها وهي تتلخص فيما يلي:

  • إعادة النظر في إتفاقيات التبادل التجاري مع كل الدول والمنظمات بحيـث تـراعـى فيهـا مصلحة اللبنانيين وليس مصلحة الدول الأخرى. فالإتفاقيات هذه ليست غاية بحد ذاتها إنما هي وسيلة لتحسين فرص إقتصاد لبنان وليس إفقاره وإبعاده عن التطور والنمو وجعله دولة مستهلكة.
  • وضع تعرفات جمركية مرتفعة على كل المواد المنتجة في لبنان والتي يمكن إنتاجها حتى يستطيع القطاع الخاص إحياء الصناعات والزراعات بدلاً من إستيرادها بعيداً عن المنافسة غير المشروعة أصلاً، وفي ظل كلفة إنتاج مرتفعة في لبنان نتيجة إجراءات الدولة، والتي تقع حائلاً دون قدرة لبنان على التصدير وبالتالي الإستفادة من إتفاقيات التبادل التجاري الحر.
  • التقدم من منظمة التجارة العالمية بالتعرفات الجمركية المشار إليها في الفقرة السابقة وإعتبارها أساساً لإنضمام لبنان إليها. وإذا رفضت الدول الأعضاء هذا الطرح فلا بأس للبنان دون الإنضمام لهذه المنظمة. هكذا فقط يمكن للحكومة الحالية تشجيع الإستثمار في القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية وبالتالي توفير فرص عمل لمحتاجيها والتخفيف من هجرة الأدمغة وتعميم النشاط الإقتصادي على كل المناطق وخاصة الأكثر عوزاً .