صحيح أننا نحتفل اليوم بمرور خمس وعشرين سنة على إنطلاقة مجموعة شركات الوادي في جمهورية مصر العربية، لكنّ هذه الفترة لم تبدأ من فراغ. لقد سبقتها خمس وعشرون سنة من العمل الجاد المجبول بالعرق والجهد وإجتياز العراقيل وتخطي العقبات.
لم يكن النجاح موروثاً إلاّ بالمُثل والقيم، إنّما جاء نتيجةً للعلم الذي أسّس لعديدٍ من الصفات والإعتبارات. إنّ العلم والتخصص كان البداية لكنّ الطموح كان الدافع الأكبر. طموحٌ عقلاني غير متهوّر. طموحٌ واكب زيادة التعلّم والإطلاع دون توقف. طموحٌ راقب تطوّر الخبرة وتحسين الأداء ولم يقفز فوقهما. طموحٌ إقتنس ما أمكن من فرص شفافة في الوقت والظرف المناسبين. طموحٌ إسترشد بالحكمة في معظم المواقف الحرجة ولحظات إتخاذ القرار الصعب الذي لا ينتظر. وما أدراك ما الحكمة؟ ومع أنني لا أدّعي معرفتها، إنّما يُخيّلُ إليّ أنّ الحكمة هي عصارة فكرية خلاّقة نيّرة تجمع بين الذكاء الحاد والإحساس المرهف وسرعة البديهة الى حد الإلهام، والخبرة المتطوّرة المبنيّة على العلم الدقيق والمعرفة المتجدّدة. نعم لقد إعتمدنا الحكمة في العديد من مواقفنا وقراراتنا فجاءت صائبة.
أيها السيدات والسادة،
هل من ضرورةٍ أو من حكمةٍ إحياء إحتفال بالعيد الفضّي لمجموعة شركات الوادي؟ سؤالٌ راودني منذ إثارة الفكرة حتى اليوم. لقد آثرنا وعُرف عنّا بأننا قومٌ نعمل بصمتٍ و بجديّة مطلقة بعيدين عن الأضواء. وعند ظهورنا إنّما نتوخى الإفادة أكثر من الإستفادة، ونقل خبراتنا وتعميمها كما نتوخى خبرات الآخرين المفيدة. نعم، آثرنا هذا النهج. لكنّنا أثرنا بذلك فضول العشرات من حيث لا نريد. صمدنا ولم نتردّد. أكملنا طريقنا ولم نتعثر. أصررنا على المزيد من الإنجاز والعطاء ولم نتأثر.
لمَ الإحتفالُ إذاً؟ وعلامَ نحتفل؟ تشاورنا كما في معظم الأمور، وخلصنا الى أنه من الحكمة أن نحتفل.
نحتفل أيها الأخوات والإخوة ولو لمرّةٍ واحدة طيلة نصف قرن لأننا توافقنا على تتويج حقبة فضيّة تلت حقبة جهادية بإزاحة الستار عن باب الإستقامة الذي يقع في مقدّمة الأبواب المؤدية الى قاعات المثل والقيم؛ القيم التي كانت وما زالت الملاذ والمحفز والملهم لأدائنا و أداء كل من عاشرنا وناصرنا وتطبّع بها. نزيح الستار عنها كي تكون مناراً يهتدي به الآخرون.
خلال السنين وُلِد ما بات يُعرف بثقافة الوادي. إنّ لمجموعة شركات الوادي ومنسوبيها ثقافة خاصة بهم مبنيّة على المثل والقيم. مُثُلنا وقيمنا ليست بدعة ولا هي تختلف عن المثل والقيم التي نادى بها محبّو الإنسان والإنسانية. لكن ما يميّزنا هو أننا نمارسها إيماناً منّا بها أولاً وتطبيقاً عملياً لها ثانياً ووعياّ منا بأن الإستقامة الحقة هي مدخل النجاح.
فالصدق يقع في مقدمة قيمنا. والإخلاص هو جامعنا. ومحبة الآخر أياً كان هو مسلكنا. ومصلحة الوطن نصب أعيننا. والنجاح هو هدفنا إيماناً منا بأن النجاح يولّد النجاح ويرفع سقف الهدف ويجرّ الغير إليه فتتفجر بذلك الطاقات والهمم ليرتقي الوطن.
أن نكون المثال الخيّر لغيرنا كان دائماً شرفٌ لنا ومحطّ إفتخار ولم يكن يوماً محطّ خشية وتردّد ذلك أننا نؤمن بتعميم الفائدة كونها تخدم المصلحة العليا للوطن. وما نشاطنا في لبنان منذ 1957 حتى الآن، وفي سوريا من 1973 الى 2000، وفي المملكة العربية السعودية بين 1957 و 2002، وفي الأردن منذ 1976 حتى الآن وفي السودان منذ خمس سنوات إلاّ دليل على رغبتنا الجامحة في نقل المعرفة وتعميم الفائدة في وطنٍ عربي ننتمي إليه قلباً وقالباً. ولا يسعني هنا إلاّ أن أشيد بالسياسة الحكيمة التي إعتمدتها مصر منذ مطلع سبعينات القرن الماضي بتشجيع الإستثمار في القطاعات الإنتاجية. هذه السياسة التي وفرت لنا المناخ الملائم والمحفز للعمل والإنجاز.
إنّ حصول معظم شركاتنا على شهادة سلامة الغذاء HACCP وشهادة حسن الإدارة والأداء ISO هو دليل آخر على قدرتنا على الإبداع و التقيّد بأصول الإنتاج السليم وحسن الإدارة بمستوياتٍ عالمية.
وما إعتمادنا برامج تتخطى هذه وتلك كبرنامج الإنتاج المتكامل TPM وبرنامج الإنتاج بمستوى عالمي WCM الذي نمارس تطبيقها منذ سنة كي نصل الى مستويات أعلى بإتقان النوعية وتخفيض التكلفة إلاّ إكمالاً لهذا النهج وهذا التوجّه.
إنّ ثقة البنوك والمؤسسات المالية المختلفة هي دليلٌ آخر على قدرتنا على الإنجاز طبقاً لدراسات الجدوى الإقتصادية الدقيقة وعلى تحقيق النجاح تلو النجاح. أماّ مساهمتنا في المؤتمرات وعلى صفحات الجرائد والمجلات المتخصصة فهي مواقف إقتصادية وفنيّة، تابعناها وما زلنا نتابعها مع المسئولين وأصحاب المواقف والفكر، مساهمين من خلالها برسم السياسات الحكيمة.
أيها السيدات والسادة،
في شركات الوادي لسنا مربّي دواجن ومصنّعي أعلاف وكفى، بل نحن منتجون للبروتين الحيواني الذي يوفر الغذاء الضروري لنا ولأولادنا و للأجيال. لسنا زارعي شجر الزيتون فحسب بل نحن مساهمون بتحويل الصحراء الى جنّات غنّاء توفر الخضرة والثمر.
لسنا مصنّعين للمضيفات العلفية والعبوّات الزجاجية ولخلايا التبريد و كفى، بل نحن مساهمون في التخفيف من الإستيراد وفي توفير فرص العمل وتأمين الإحتياجات بالإتكال على أنفسنا وفي إدخال التقنيات الحديثة وتحويل مصر الى بلد صناعي في المستقبل القريب.
نحن منشغلون دائماً بالإبتكار والحداثة وإحداث المشاريع الجديدة ورفع مستوى العاملين ونوعيّة المنتجات. فهذه كلّها دليل ثقة ترفع بالطموح الى العُلى ليحلّق ويحقق ما يشبه المعجزات.
فإذا كانت المهابة في الماضي القريب لعاقدي ربطات الأعناق، فإننا نريدها بعد اليوم أيضاً لحاملي المعاول والمناجل. نريدها للكادحين الذين كان يُنظر لهم على أنهم طبقات دنيا في مجتمعاتهم. ودعوني ها هنا أقولُ أنّ اليوم الذي سيكون فيه الفلاّح سيّداً ليس ببعيد. وها نحن نعمل في الحقول الزراعية والصناعية أي في القطاعات الإنتاجية حيث الفكر يحرّك الزنود ويفرز العرق وليس في المجالات المبنيّة على الإمتيازات والصفقات.
أيها السيدات والسادة،
أقول قولي هذا وأنا مدركٌ لآفة الغرور فأنبذها ولآفة العظمة فأتحاشاها ولآفة الظهور فأتجنّبها. وأسير وأسرة الوادي على الطريق السّوي رافعي الرأس بكل فخر لكن بكل تواضع، بكل إعتزاز لكن دون إستفزاز. همّنا كان وسيبقى المساهمة في نقل مصر وكل دولة عربية نعمل فيها من دولة في طور النمو الى دولة نامية الى دولة متقدمة تعتمد الإنتاج وتوفير الكفاية لا بل تتخطاها الى التصدير، لنقول للعالم بأننا دول عربية أفاقت من سباتها وها هي تساهم في رفاه الإنسان في جوّ من الطمأنينة والسلام.
وقبل إنتقالي للشق التالي من البرنامج، لا بدّ لي من أن أشكر كل واحد منكم لمشاركتنا في هذا الإحتفال وأُخص بالشكر كل من تكبّد مشاق السفر للإنتقال خصيصاً ليكون بيننا راجياً أن تكونوا قد إستمتعتم بما شاهدتموه البارحة واليوم متمنّياً أن تقضوا سهرةً ممتعة.
والسلام عليكم
أيّها السيدات والسّادة، لم تغب عن إدارة مجموعة شركات الوادي يوماً فكرة التطوّر والتعرّف على أحدث النظريّات في الإدارة الحديثة ورفع شأن ومستوى المسئولين والعاملين على كافة المستويات.
لجأنا الى مؤسساتٍ عريقة في تطوير إدارات الشركات وتنمية مهارات كل العاملين فيها كالمؤسسة العالميّة للتمويل IFC وشركة Ernest & Young وشركة CCI / Skopos وشركة Majara Group ومؤسسة Ken Tyler. عملنا وما زلنا نعمل مع كل هذه المؤسسات العريقة في تنفيذ برامج محدّدة ومعقدة تطال كل مدير وموظف وعامل، كما تطال كل فرد من أفراد الإدارة العليا.
يأتي من بين كل هذه الخطوات التطويريّة تنفيذ مبدأ التعاقبيّة Succession الذي يتطلّب إختيار وتهيئة البديل وتحديد موعد التسلّم والتسليم على كافة المستويات الإدارية بدءاً بي بصفتي رئيس مجموعة الشركات ومديرها التنفيذي CEO.
لكن قبل أن أسلّم الأمانة، دعوني أتحدّث قليلاً عن رمزي نصرالله وطوني فريجي. عن فارسين تعلّما الفروسيّة من والد الأول فيليب نصرالله وأخ الثاني موسى فريجي. لم تمضِ سنواتٌ قليلة حتى أتقنا هذا الفنّ وأخذا يربعان مستقلّين كلٌّ على متن جواده.
فجواد طوني كان بنّي اللون. إختاره هكذا كي يتناسب لونه ولون الأرض التي عمل بها، والمزارع التي أشرف على بنائها، والآلات التي إختارها، والمصانع التي شيّدها. أمّا جواد رمزي فكان أبيض اللون. إختاره هكذا كي يتناسب لونه ولون الأوراق التي كان يخط عليها، والحسابات التي كان يمحّص بها، ودراسات الجدوى الإقتصادية التي كان ينكبّ عليها والبنوك التي كان يحاورها.
لكن أجمل المناظر لديّ هي عندما يجتمع الفارسان جنباً الى جنب، كلّ يمتطي حصانه، يتشاوران ويتوافقان قبل أن يمضي كلّ الى تنفيذ ما إتفقا عليه أو ما كان مجلس الإدارة قد قرّره، وهما عضوين بارزين فيه. تناغمُ الفارسين وتناغم وحكمة معلّمَيهما ثبّتَ صلة عائلتي فريجي ونصرالله، وهي مستمرّة كي ترعى واحدةً من أنجح الشركات العائليّة في الوطن العربي. وما إنشاءُ جمعيّة عائلة الوادي Wadi Family Assembly ومجلس عائلة الوادي Wadi Family Council إلاّ إثباتاً لهذه الصلة الوثيقة وتنظيماً دقيقاً ومسئولاً لمستقبل علاقة أفراد العائلتين بمجموعة الشركات جيلاً بعد جيل. والآن، أعلنُ تسليمي مهمّة الرئيس التنفيذي President & CEO لمجموعة شركات الوادي الى أخي وحبيبي طوني فريجي الذي حاز على تأييد ومباركة الشركاء العاملين وغير العاملين.
ماذا أقول في طوني؟ بضع كلمات، كما يقتضي المقام الآن، لن تفيه حقه. طوني ظاهرة فريدة في النشاط والإندفاع. طغى طموحه على طموحي أضعافاً مضاعفة فبِتُّ متواضعَ الطموحِ أمامه. يبني المشاريع قبل أن يجفّ حبر الموافقة عليها. تراه يأخذ بيد معاونيه من مهندسين وفنّيين وأطبّاء ليخطط وينفّذ معهم على أرض الواقع وكأنّه قائدٌ يخوض معارك تتطلّب الوقوف على أدق التفاصيل مع ضبّاطه. يشرح ويعلّم ويساعد الصغير كي يكبر. يجوب المعمورة ليأتي بالأفكار الجديدة والحلول للعوائق. يحترم ويحبّ كل من تعرّف عليهم فيبادلونه الإحترام والمحبّة ويولونه ثقتهم. هذا هو طوني المغوار، طوني الشهم، طوني الفارس ...