معظم من تخطى السبعين عاماً من اللبنانيين يذكر كارثة بنك إنترا الذي توقف فجأة عن دفع بعض أو كل مدخرات المودعين في 14/10/1966، أي بعد سنتين ونصف فقط من إفتتاحه في نيسان 1964. كان يستحوز بنك إنترا عشيّة إنهياره على 15% من كافة الإيداعات في البنوك اللبنانية و38% من إيداعات اللبنانيين الذين فقدوا الجزء الأكبر من مدخراتهم لديه.
نتجَ عن هذه الحادثة المدمّرة أن أصدرت الحكومة اللبنانية قرارات تلزم أصحاب البنوك بإيداع جزء غير يسير من مدخراتهم لدى مصرف لبنان ضماناً لحقوق المودعين. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم إستقامت علاقة المودعين مع البنوك وحفظت حقوقهم إلى حدّ كبير.
إنتشرت ظاهرة السوبرماركت في لبنان إعتباراً من عام 2000 وكان معظمها مملوكاً من سلاسل منتشرة أصلاً في أوروبا أو في دول الخليج. ودرج السواد الأعظم منها على إستخدام الجزء اليسير من الرأسمال واعتمدت على إستئجار المبنى وأرض مواقف سيارات الزبائن وإستئجار الثلاجات والرفوف الخاصة بعرض المنتجات. ثمّ أخذت تستقبل المنتجات من مورِّديها المُنتجين أو التجار اللبنانيين بغرض عرضها على مسؤولية المورِّدين والتجار على أن يتمّ تسديد قيمة المُباع من المعروضات بعد مرور ما بين 60 و150 يوماً. وفي المقابل كانت كل هذه السلاسل تبيع المنتجات المعروضة نقداً للمستهلكين. نتج عن ذلك أن أصبحت هذه السلاسل مليئة بالفائض النقدي الذي سمح لها بالتوسع على ذات المبدأ وبالتالي فتح فروع جديدة إمّا في لبنان أو خارجه، كل ذلك على حساب المورِّدين من منتِجين أو تجاراًلبنانيين.
لفتَتني هذه الظاهرة الغريبة وأثارت حفيظتي فدعتني إلى اللجوء إلى النائب الصديق المرحوم شوقي فاخوري. شرحت الموضوع له بإسهاب فتفهَّمه بسرعة وأشار علي زيارة رئيس مجلس الوزراء المرحوم رفيق الحريري. كان ذلك في منتصف عام 2003. قمنا سويةً بالزيارة. فما كان من الرئيس إلى أن طلب من المرحوم شوقي فاخوري بإعداد مشروع قانون ينظم العلاقة بين المورّدين وأصحاب السلاسل على غرار علاقة المودعين بالبنوك.
راجعت المرحوم شوقي فاخوري مراراً. فكان جوابه أنّه بصدد إعداد هذا القانون إستناداّ إلى مراجع قانونية محكمة حتى لا يأخذ جدلاً واسعاً في مجلس الوزراء أو مجلس النواب. لم يحالف النائب شوقي فاخوري الحظ لإنهاء مشروع القانون حيث داهمته المنيّة فتعرّض إلى مرضٍ عضال وتوفي عام 2004.
حاولت على أثر الحادث الأليم أن أقنع نائباً آخر لِتبنّي هذا الموضوع الحيوي فلم أُوَفّق. ثم جاءت حادثة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14/2/2005 لتغلِق الباب على محاولة من هذا النوع حتى يومنا هذا.
أمّا الآن وعلى أثر قرار مجموعة سلطان الكويتية إغلاق فروعها السبعة TSC في لبنان نتيجة الخسائر التي تعرّضت لها وبالتالي عجزها عن دفع مستحقات المورّدين من منتجين وتجّار لبنانيين، أصبح من الواجب إعادة إحياء فكرة إصدار قانون ينظم العلاقة بين المورّدين وأصحاب السلاسل سيّما وأنّ معظم هذه السلاسل تؤخِّر في دفع المستحقات للمورّدين أشهراً خلافاً للإتفاق على مدّة الدَّين.
إذاً حدث ما كنت أخشاه منذ عام 2003 الأمر الذي يحفّزني على إعادة تحريك إعداد مشروع قانون على يد أحد مكاتب المحاماة الضليع في سَنّ القوانين على أمل أن يتبنّاه بضعة نواب ورفعه للدراسة والمناقشة في إحدى اللِّجان النيابية ثم تحويله إلى مجلس الوزراء وإعادته إلى الهيئة العامة في مجلس النواب ليولد قانوناً ملزماً لأصحاب السلاسل يؤمّن حقوق المورّدين دون تعريضهم لخطر خسائر هذه السلاسل أو لإفلاسها.