هنالك شعور عام مسيطر على أن تهريب البضائع من سوريا إلى لبنان هو أمر حتميّ ومسلّم به ولا علاج له.
قد يكون هذا إستنتاج محق لكنّه غير مبرّر في ظلّ العمل بإتفاقيّات التّبادل التّجاري الحرّ وبإتفاقيّة المنطقة العربيّة الحرّة بين كافة الدّول العربيّة والتي ألغت الرّسوم الجمركيّة عن المنتجات التي تتمتّع بالمنشأ العربي وبالتالي ألغت العذر المتعارف عليه الذّي يعتمده المهرّبون أي هرباً من دفع الرّسوم الجمركيّة.
إذاً هنالك أسباب أخرى تبرّر التّهريب وهي خافية عن معظم اللّبنانيّين مسؤولين أوعامة النّاس.
السّبب الأوّل يكمن في تهريب العملة السّورية والممنوع إخراجها قانوناً إلى لبنان من أجل إستخدامها لشراء العملة الصّعبة من الصيارفة بغرض إستيراد مواد مختلفة من خارج لبنان إلى سوريا.إنّه إجراء يتمّ بمعرفة الحكومة السوريّة لكن بغض الطرف عن هذه الممارسة كونها ضروريّة للحركة الإقتصاديّة السوريّة. يتمّ الإفراج عن البضائع المستوردة التي تصل الموانىء السوريّة بعد تعهُّد المستورِد بأنّه أمّن قيمة هذه البضائع من مدّخراته خارج القطر العربيّ السّوري. طبعاً يعرّض المتعهد في المستقبل لملاحقة تبيان مصير قيمة البضاعة المستوردة داخل سوريا. لكن هذا الإجراء بقي ومنذ خمسة عقود دون تفعيل من قبل السلطات السوريّة. قد يكون السّبب هو الإبقاء على سريان عجلة الحركة الإقتصاديّة.
السّبب الثّاني في تفضيل التّهريب على إعتماد المسالك الجمركيّة هو التّهرب من تحويل قيمة الصّادرات بالعملة الصّعبة إلى حساب المصدّر لدى البنك التّجاري السّوري وهو تدبير قانوني ملزم لكافّة عمليات التّصدير من سوريا.
السّبب الثّالث هو التّهرب من ضريبة الدّخل المترتّبة على عمليات تصدير البضائع بصورة قانونيّة.
يبقى أن نتعرّف إلى مصير العملة السّوريّة لدى الصيارفة في لبنان.
من المعروف بأنّ هنالك قرابة مليون إنسان سوري يعمل في لبنان منذ عقود وأنّ أجورهم التي تتعدى الستة مليارات دولار سنوياً تدفع لهم بالليرة اللبنانيّة أو بالدولار وهم بالضّرورة يحوّلونها إلى أهلهم في سوريا. لذلك فإن تحويلها بالعملة اللبنانيّة أو بالدّولار يبقى عرضة للتّصريح عنها على الحدود السوريّة. أمّا إذا كانت العملة سوريّة فإنه مسموح بإدخالها دون قيد ولا شرط حسب القوانين السوريّة ومهما كانت مقاديرها. وهكذا يشتري العاملون السوريون في لبنان اللّيرات السوريّة من الصيارفة مقابل الليرات اللبنانيّة أو الدولار الذي حصّلوه مقابل عملهم. وبذلك تعود اللّيرات السوريّة إلى سوريا وتعود دورة تهريبها إلى لبنان مرة أخرى من أجل توفير الصّادرات إلى سوريا وهكذا دواليك.
وعليه فإنّ مشكلة التّهريب من سوريا هي مشكلة معقّدة. قد يكون حلّها صعباًخاصّةً وأنها تحاكي الإقتصاد السّوري إلى مدى كبير.لا شكّ أن الجهود الجديّة والمكثّفة للسلطات الجمركيّة هي عامل هامّ في عرقلة أو الحدّ من عمليّات تهريب البضائع وعليها تقع المسؤوليّة الكبرى.