السّيد سعد الدّين الحريري المحترم،
تحيّةً وإحتراماً
كَثُرت تعليقاتكم في الآونة الأخيرة عن إهتمام مجلس الوزراء بالشأن الإقتصادي والمعيشي وفرص العمل دون أية إشارة الى الحلول الناجعة.
منذ 1992 والمشكلة الإقتصادية تتفاقم سنةً بعد سنة. مَردُّ ذلك يعود الى إعتماد الحكومات المتعاقبة على العولمة والإنفتاح والتبعيّة لإملاءات الإتحاد الأوروبي وللإنجرار للتوقيع على إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ مع دول متعدّدة وعلى إتفاقية المنطقة الحرّة العربيّة والى التهيئة للإنضمام الى منظمة التجارة الدولية.
كانت نتائج هذه السياسات:
إقفال العديد من الصناعات والتوقف عن زراعة العديد من المنتجات الغذائية.
إرتفاع العجز التجاري بصورة متصاعدةوقد تعدّى الـ 16 مليار دولار سنوياً.
بطالة فاقت حدود 30%
هجرة الرّساميل مع الخبرات.
هجرة الكفاءات وخرّيجي الجامعات التي وصلت الى 25000 سنوياً.
غياب تراكم الخبرات في القطاعات الإنتاجيّة.
إعتماد غير متوازن على السياحة والخدمات.
تحتوي معظم البيانات الوزارية على عبارات خجولة تتردّد دون فائدة حيال الشأن الإقتصادي والمعيشي وغالباً ما تكون عن "دعم القطاعات الإنتاجيّة"،(دعم ماذا وكيف ياحسرتي؟) إنّ دعم الصادرات الزراعيّة هدرٌ كبير يذهب الى المُصدِّرين دون أي نفع للمزارعين.
إنّ حريّة التبادل التجاري المعتمدة، وتخفيض الرسوم الجمركيّة على المستوردات الى معدّل 5% بناءً لإملاءات الدول الغربيّة، ما هي إلاّ حيلة للتجارة بإتجاه واحد هو التصدير الىلبنان لا يقابله تصديرمن لبنان إلاّ النذر اليسير. لقد فاقتوارداتُناالعشرين مليار دولار بينما تدنّتصادراتُنا الى ما دون 3 مليار دولار سنوياً.
يتباهى المسؤولون في الوزارات المختلفة بمقابلة مندوبي الدّول الغربيّة لمسايرتهم وتأمين رغباتهم وإعتماد نصائحهم وحتى إملاءاتهم بينما يعجز أصحاب المصالح اللّبنانية من الحصول على موعد مع أحدهم وإن حصلوا فلا أُذن صاغية لهم (كلّ فرنجي برنجي وإبن البلد فرجي).
من الواضح أنّ معظم المسؤولين عن الشأن الإقتصادي،يعتبرون أنّ هجرة الكفاءات تجلب تحويلات تقارب الثّمانية مليار دولار سنوياً. إنهم موهومون بهذا الإنجاز الذي يجعل لبنان بلداً ريعياً غير منتج وقد يتسبّب بتفكّك العائلات. فلينظروا كيف تحوّلت إسرائيل،الدولة العدوّة، إلى بلد صناعي من الدّرجة الأولى عن طريق إستقطاب اليهود من كل أصقاع المعمورة للمساهمة بورشة البناء والتّعليم والتطوّر.
لينظروا إلى كندا وأستراليا والولايات المتّحدة الذين نحوا ذات المنحى بترغيب المتعلّمين وأصحاب الخبرة وإستقطابهم للمساهمة في ورشة التّصنيع والزّراعة والطّب والهندسة وغيرها أي توزيع مصادر الدّخل.
ربّ قائلٍ إنّ الثمانية مليارات الواردة سنوياً من القوى العاملة خارج لبنان هي ضروريّة لِتوفير جزء من إحتياجات لبنان للإستيراد. لقد خَفِي عن هؤلاء أنّ تلك هي العلّة وليست الحلّ،إذ أنّ مصير هذه العملة الصعبة هو الإستيراد وليس الإستثمار في لبنان. لو ظلَّ المغتربون في لبنان ووجدوا فرص عمل لهم أو فرص إستثمار،لكانوا وفّروا على لبنان الإستيراد بذات القيمة أو أكثر وساهموا في تنمية الإقتصاد وفي نقل لبنان من دولة ما دون النامية الى نامية ثمّ متقدّمة فصناعيّة مزدهرة مع مرور الزمن.
إنّ الخروج من الضائقة الإقتصاديّةوالإجتماعيّة في لبنان يكمُن في تخفيف البطالة إلى حدود الـ 5%. وهذا لن يحصل إذا لم تتوفّر فرص العملالتي تكمن في تحفيزالإستثمار في القطاعات الإنتاجيّة بظلّ تخمة القطاعات السّياحية والخدماتيّة. أمّا التّحفيز في القطاعات الإنتاجيّة فيتطلّب إيجاد المناخات الملائمة للإستثمار فيها. وهذه تنحصر في حماية كل ما ينتَجأو يمكن أن ينتج في لبنان حماية جمركيّة فاعلة.
كي تتحقّق هذه الأمنية لا بدّ للبنان من أن يلغي كافّة إتفاقيّات التّبادل التّجاري الحرّ مع الدّول الإفراديّة أو الجماعيّة ويعتمد سياسة حريّة التّبادل التّجاري بدلاً من تقييد ذاته بإتفاقيات التّبادل التّجاري الحرّ دون قيود.
لقد ضاقت فرص العمل وحتّى الهجرة أصبحت صعبة وعليه فإنّ الدولة تحشُر المواطنين في الزّاوية، الأمر الذي سوف يُنتِج إنفجاراً وفوضى لا تُحمَد عقباها. فالحاكم الرشيد هو من يسعى لتوفير العيش الكريم للمواطنين ويُبعد عنهم الفقر والذّل والقهر وحتّى التطرّف واعتناق الإرهاب.
إنّها صرخة لعلّها تعطي ثمارها. وقد أُعذِر من أَنذر.
مع فائق تقديري وشكري، المهندس موسى فريجي