في المقال الأول تحت ذات العنوان بيَّنتُ أهميّة حماية الإنتاج الوطني لتحفيز الإستثمار في القطاعات الإنتاجيّة صناعيّةً كانت أم زراعيّة.
وفي هذا المقال أودّ ان أُركّز على ضرورة أن يَعي المُشرِّعون والمسئولون والمستشارون الإقتصاديّون أهميّة المصلحة الوطنيّة على ما عداها وبالتالي مصلحة المواطن المصري على مصلحة الدول الأخرى وعدم الإنجرار بتوقيع إتفاقات التبادل التجاري أو الإنخراط في منظمّات عالميّة ترعاها دول صناعيّة كبرى وتفرض شروطها حيث لا تكون هكذا إتفاقيات في مصلحة المواطن المصري. كثيراً ما نسمع بأنّ العديد من المنظمات الإقتصادية أصبحت عالميّة الإنتشار بحيث لا يجوز أن تكون مصر خارجها أو نسمع بأنّ إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ تجلب المنّ والسّلوى للمُنتجين المصريّين وعليه يتمّ توقيعها دون أن تتِمّ دراسة آثارها السّلبيّة على الإقتصاد المصري قبل توقيعها.
لا تسَلوا عن الضغوط التي يتعرّض لها وزراء الإقتصاد والماليّة في العديد من دول العالم الثالث، ومصر أحدها، على يد سفراء ووزراء من دول كالولايات المتّحدة الأميركيّة والإتحاد الأوروبي كي يُخفِّضوا الرّسوم الجُمركيّة على السّلع المُستوردة وذلك لكي تصبح منتجات هذه الدول مُتاحة ومُيسّرة تُنافس المنتجات المحلّيّة. ولا تسَلوا عن مستوى الإحترام وسِعة الصدر والآذان المفتوحة التي يُلاقيها هؤلاء السفراء والوزراء لدى إستقبالِهم والإستماع الى مطالبهم كونها تأتي من دول تُعتبر دولاً راقية ومسئولوها أُناسٌ محترمين لا يَسعون إلاّ لِخير الطرفَين.
ثِقوا بأنّ أي إجراء تلجأ إليه الدول الصناعيّة الكبرى إنّما يعتمد على مصلحة مُواطِنيها والمُتمثّلة بإيجاد فرص عمل ومحاربة البطالة وبتوفير أسواق للمنتجات التي يُنتِجونها. يأتي ذلك عن طريق إحياء المنظمات العالميّة كمنظمة التجارة العالميّة وإتباعها للأمم المتحدة حتى تُضفي عليها الصفة العالميّة. ثمّ يأتي دور هكذا منظّمات لِفرض شروط تخدم الدول الصناعيّة على حساب الدول النّامية وتفرض معوقات تصل الى حدّ العقوبات إذا لم تستجِب الدول النامية لهكذا شروط وعلى رأسِها تخفيض الإجراءات الحمائيّة للإنتاج الوطني وتشريع الأبواب للمنتجات المُستوردة وعدم وضع مواصفات مُبالغ فيها.
إنّ تهيِئة مصر لِتُصبح دولة صناعيّة متقدّمة لا تأتي من العدم ولا تأتي من قلّة المعرفة والخبرة المُتراكمة. وإذا كنّا نعوِّل على القطاع الخاص بأن يأخذ على عاتقِهِ مهمّة التصنيع فإنّ هذا القطاع يتطلّب أول ما يتطلّب حماية ظهره من المنافسة غير المشروعة أو غير المُتكافئة كي يكون إستثماره مُجدِياً. من هنا نرى كيف أنّ الحماية تأتي أولاً وهي المُحفِّز لِخلق المشاريع الصناعيّة وخاصةً تلك التي تحلّ محلّ الصناعات المُستورَدَة. (وللبحث صلة في مقالة لاحقة).