في خطوتها للتخفيف من كلفة المعيشة، لجأت الحكومة ومنذ شهر تموز 2020 إلى دعم قيمة مواد إستهلاكية مستورَدة كالأرُز والعدس والحمص واللحوم الحمراء. كما دعمت المستلزمات الأساسية التي تدخل في إنتاج الحليب ولحم الدواجن وبيض المائدة التي تُنتَج محلّياً، وعلى رأسها الذره والصويا وأعلاف الأبقار الحلوب والتسمين. إنحصرت قيمة الدعم بسعر صرف الدولار 3900 ل.ل.
ولتنظيم عملية الدعم هذه، تمّ إتخاذ إجراءَين:
1. قامت وزارة الزراعة بتسجيل كافة المزارعين في كل المحافظات والأقضية وزوّدتهم بشهادات تعريف عن حاجتهم الشهرية من المواد المذكورةحتى يتسنّى لهم شراءها من التجار المستوردين لهذه المواد بالسعر المدعوم.
2.كما قامت وزارة الاقتصاد بإلزام المستوردين إبراز لائحة بأسماء المزارعين الذين اشتروا المواد المدعومة توطئة لإعطائهم إذناً جديداً لدعم مستوردات جديدة.
ثمّ قامت وزارتَي الاقتصاد والزراعة بإصدار لوائح بأسعار مبيع المنتجات الإستهلاكية للمستهلكين إستناداً إلى دعم مستلزمات الإنتاج المذكورة.
فشلت سياسة فرض الأسعار للمستهلك إلاّ في حدود دُنيا، حيث التزم عدد قليل من المنتِجين بها، بينما الغالبية العظمى منهم ثابروا على بيع منتجاتهم بأفضل سعر عُرض عليهم من قِبل تجار الجملة أو من قِبل أصحاب المسالخ أو المعامل. حدث ذلك لأنّ قاعدة العرض والطلب فرضت ذاتها ولأن المعروض كان أقل من الطلب.
عبثاً حاولنا شرح مبرّرات فشل سياسة فرض سعر محدّد لمنتجات تمرّ بمراحل إنتاج وتحويل وتوضيب وتأخذ وقتاً غير يسير بين استخدام مستلزمات الإنتاج حتى تصل الى المستهلك، خلافاً لمنتجات مدعومة تصل الى المستهلك كما وصلت الى لبنان كالدواء والأرُز والعدس والحمص وحليب الأطفال والمحروقات وغيرها الكثير.
وفي جميع الحالات، فإنّ المستفيد من الدعم هو المستهلك وليس المنتِج خاصة في غياب الإحتكار. إنّ الدعم يخفف من كلفة المادة المدعومة تماماً كما يخففها تدنّي أسعارها العالمية من حين إلى آخر. أمّا المنتجون فإنهم يتعاملون مع هذه المستلزمات الانتاجية بصورة متساوية بينهم، فينعكس تدنّي أو زيادة أسعارها بسبب أسعارها العالمية المتقلبة أو بسبب دعمها على كلفة المنتج النهائي المعروض للمستهلك.
إنّ إعتبار وزارتَي الإقتصاد والزراعة أنّ الدعم يجب أن يؤدي الى تخفيض أسعار المادة المستهلكة بصورة فورية وتلقائية هو إعتبار خاطئ. كان عليهم التريُّث مدة زمنية:
-تتناسب وتحويل المواد المدعومة إلى إنتاج فعلي يصل الأسواق من بيض المائدة إلى لحم الدواجن إلى الحليب واللحوم الحمراء المحلّية الإنتاج.
-ليسمحوا للعرض أن يصل أو حتى يفوق الطلب، وليس من خلال فرض أسعار محددة للمستهلك.
حينئذٍ وحينئذٍ فقط يتحقق تخفيض قيمة المنتجات المدعوم مستلزمات إنتاجها للمستهلكين دون أي تدخل من الوزارتَين.
حبذا لو تتفهم وزارتَي الاقتصاد والزراعة هذه القاعدة الاقتصادية البديهية وتشجّع المستثمرين على الإستثمار في القطاعات الانتاجية دون وضع عراقيل أمامهم. ويأتي في مقدمة اجراءات التشجيع حماية المنتجات المُمكن إنتاجها في لبنان حماية جمركية، والتوقف عن إعطاء إذون استيراد لمثل هذه المنتجات. لقد آن الأوان كي تساهم الحكومات المتعاقبة على اعتماد الإجراءات العملية التي تنقل لبنان من بلد ريعي إلى بلد منتج.
المهندس موسى فريجي
musa@musafreiji.com
www.musafreiji.com
9/10/2020