جريمة المجلس الأعلى للتنظيم المُدني

في خضم الحديث والتعليقات حول الوضع الإقتصادي المأزوم، يتمّ مؤخراً التركيز على أهمية النهوض بالزراعة وبإنتاج الغذاء خاصةً بعد أن شحّ عرض الدولار وبالتالي إنخفضت معه القدرة على الإستيراد كما كان حاصلاً بسلاسة خلال الثلاثين سنة الماضية.

يأتي في طليعة سبل تحفيز المستثمرين والمنتجين اللبنانيين للإستثمار في المشاريع الزراعية حمايتهم من المستوردات حمايةً جمركية فاعلة، وكذلك وضع حدّ لتهريب المنتجات الغذائية من سوريا.

إنّ إنتاج الغذاء يتطلّب أرضاً صالحة للزراعة ومصدراً لمياه الرّي. إنّ ثلث مساحة لبنان هي سطحية وصالحة لشتى أنواع الزراعات والثلثَينالآخرين يصلحان لزراعة الأشجار المثمرة بشكل رئيسي كون طبيعتهما جبلية.

من المؤسف أن المدّ العمراني والتوسّع في سهول القرى والمدن في البقاع وعكار آخذٌ بالإستمرار ومنذ عشرات السنين حتى يُخيّل للمرء أنّ المنازل والطرقات شارفت على احتلال ثلثَي مساحة هذه السهول الخصبة وبالتالي قلّصت المساحات الزراعية.

فسهل البقاع، وهو الأكبر مساحةً وخصباً، محاط بسلسلة الجبال الشرقية والتي تحدّه مع سوريا وبسلسلة الجبال الغربية المشرفة على البحر الأبيض المتوسط. كما أنّ سهل عكار المحازي للبحر الأبيض المتوسط يحدّه سلسلة جبال شرقية تصل إلى الحدود مع سوريا.

يتولى المجلس الأعلى للتنظيم المُدني مهمة تصنيف الأراضي اللبنانية بين زراعية وصناعية وسكنية وسياحية وغيرها. يتألف مجلس إدارته من مدير التنظيم العام ومدراء وزارات الأشغال العامة والصناعة والاقتصاد والزراعة والبيئة وغيرهم كما تتمثل نقابة المهندسين اللبنانيين بنقيبها.

التصنيف يخضع لمطالب البلديات والتي تتأثر بمطالب أصحاب الأراضي وبالسياسة والمحسوبيات والمصالح الخاصة ناهيك عن الوساطات والفساد.

للمحافظة على رقعة زراعية وازنة، كان على المجلس الأعلى الإمتناع عن تعديل تصنيف الأراضي المصنّفة زراعية إلى أراضٍ سكنية أو صناعية أو سياحية خاصة وإن جلّ هذه الأراضي محاط بالجبال وبالتالي كان مفترضٌ به تشجيع إستغلال الأراضي الجبلية كسلسلة الجبال الشرقية والغربية المحازية لسهل البقاع على إمتداد 150 كم لكل الأغراض غير الزراعية وكذلك المرتفعات المحازية لسهل عكار.

والآن وبعد أنوقعت الواقعة وحصل تحويل تصنيف أراضٍ زراعية خصبة الى سكنية وسياحية وصناعية، وعلى أثر الضائقة المعيشية التي حلّت وإستِفاق اللبنانيون على أهمية إنتاج غذائهم، لابدّ من حثّ المجلس الأعلى للتنظيم المُدني على التوقف عن تحويل تصنيف أي شبر جديد من الأراضي المصنّفة زراعية إلى غير زراعية مهما اشتدّت المطالبات والوساطات. لابدّ أيضاً من تصنيف غير المصنّف من الأراضي، والذي هو صالح للزراعة، إلى أراضٍ زراعية.

كفى المجلس الأعلى للتنظيم المُدني تدميراً للأراضي الزراعية وترك الجبال الجرداء التي تحازيها جرداء إلى الأبد.

المهندس موسى فريجي

musa@musafreiji.com

www.musafreiji.com

22/06/2020