لقد مرّ على إنتشار تربية الدواجن في معظم الدول العربية حتى يومنا هذا ما يقرُب الستة عقود. تطوّرت خلالها إلى صناعة متكاملة إلى حدّ كبير على درجة عالية من الإتقان والتحديث، من حيث توفير بيض المائدة ولحم الدواجن الطازجة والمجمّدة ومصنّعات هذه اللحوم إلى المستهلكين في كل دولة عربية على حده.
تمتعت الصناعة بحماية جمركية في العديد من الدول العربية وبدعم مادي في المملكة العربية السعودية. ساهمت هذه الحماية وهذا الدعم بسرعة التطوّر والانتشار والتجاوب مع رغبات وحاجات المستهلكين.
قد تكون رغبات المواطنين في طلب الدواجن حيّة أو لحم الدواجن الطازجة بدل المجمّدة هي الدافع الأساسي لتطوّر تربية جدود وأمّات التسمين المؤصلة وتربية الكتاكيت الناتجة عنهاوعرض طيور التسمين حيّة في الكثير من الدول والأحيان وطازجة بصورة منتشرة. هذه الظاهرة كانت وما زالت الضمان الأكثر فاعلية في تطوّرصناعة الدواجن في العالم العربي.
يؤكد هذا الإستنتاج الكلفة المرتفعة لإنتاج لحوم الدواجن في كل الدول العربية بسبب إستيراد هذه الدول لمعظم مستلزمات الإنتاج وخاصة مادتَي الذره الصفراء وكسبة فول الصويا (أو حبوب الصويا) وإستيراد الجدود والأمّات المؤصلة واللقاحات والمعدّات المتطوّرة وغيرها. جميع هذه المستوردات تشكل 80% من كلفة الإنتاج الإجمالية. أضف الى ذلك أنّ توفر لحوم الدواجن المجمّدة المستوردة من دول كالبرازيل وأوكرانيا، والتي تعتمد على إنتاجها الوفير من غذاء الدواجن الأساسي أي الذره والصويا وعلى اليد العاملة الرخيصة، لا يمكن مجاراتها بأي شكل من الأشكال وبالتالي وجب إخضاعها لرسوم جمركية عالية وفاعلة حمايةً للإنتاج الوطني في كل بلد عربي.
فمهما قيلَ عن حماية الإنتاج الوطني، وخاصةً الغذائي منه، فإنه الضمان الأكيد للأمن الغذائي. هذا الأمن الذي أصبح هدفاً هاماً للشعوب العربية حتى لا تبقى أسيرة سياسات الدول الصناعية التي تستهدف إستعمار الدول العربية إستعماراً إقتصادياً بعد أن غاب الإستعمار الوجودي.
وللزيادة في التوضيح والتأكيد فما هو الغرض من اعتماد سياسة تصدير الانتاج الزراعي / الغذائي المدعوم بمبلغ وصل إلى 62 مليار يورو سنوياً في الإتحاد الأوروبي وإلى 220 مليار دولار سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية. أليس هذا إستعمار إقتصادي في أهم حاجات الإنسان العربي ألا وهو الغذاء؟ وعليه فإنّ الحماية الجمركية المرتفعة الفاعلة والخروج من اتفاقيات التبادل التجاري الحرّ هما الوسيلتان الأكثر ضماناً لسياسة الأمن الغذائي العربي.
فبالرغم من التطوّر الكبير الذي شهدته الدول العربية في حجم إنتاج بيض المائدة ولحم الدواجن، إلاّ أنّالقصورالكبير الظاهر هو إرتفاع كلفة الإنتاج بسبب تدنّي الكفاءة الإنتاجية.
-الكفاءة الإنتاجية تعني قدرة المنتِج على الحصول على أعلى مستوى من القدرة الكامنة الإنتاجية للدواجن التي يربّيها، سواء كانت جدود مؤصلة أو أمّات أو طيور إنتاج بيض المائدة أو طيور التسمين.
-القدرة الإنتاجية Potential هي الدرجة القصوى الكامنة للطائر المربى.
فكلّما قرُبت الكفاءة الإنتاجية من القدرة الإنتاجيةلدى المُربّي، كلّما إنخفضت تكلفة إنتاجه وارتفع مستوى جودة هذا الإنتاج.
ينحصر عدم إرتقاء صناعة الدواجن في العالم العربي إلى المستويات المطلوبة نوعاً وكمّاً في مشكلة إنعدام الأمان الحيوي إن على صعيد المربّي منفصلاً أو على صعيد إجراءات السلطات البيطرية / الحكومية. فمنذ عام 2006، عندما ضرب إنفلونزا الطيور عالي الضراوة ضربته الموجعة في مصر، وأنا أنادي وأكتب وأحاضر بضرورة تدخُل الحكومات في كل الدول العربية وفرض إجراءات الأمان الحيوي فرضاً إلزامياً تحت طائلة الإقفال. وإنّ اعتماد اللقاحات لوحده هو إجراء عالي الكلفة وعديم الفائدة على المدى المتوسط والطويل، خاصة في ظل عدم قدرة معظم الدول العربية على اعتماد إعدام البؤر المصابة والتعويض على أصحابها.
إجراءات الأمان الحيوي التي أنادي به هي إجراءات على الحكومات العربية تبنّيها وفرضها على كل مزارع الدواجن. إنها تعتمد على المبادئ الوقائية الأساسية التالية:
أولا": إعتماد العمر الواحد والنوع الواحد في المزرعة الواحدة في أي وقت من الأوقات. فلا يجوز تعدّد الأنواع ولا تعدّد الأعمار في آن.ينطبق ذلك أيضاً على مزارع تربية الدجاج البيّاض.
ثانياً: إعتماد الأبعاد الوقائية الدُّنيا بين مزرعة وأخرى. تعتمد هذه الأبعاد الدّنيا على نوع الطيور وأهميتها الاقتصادية. فأنا انادي بِبُعد لمشروع جدود متكامل لا يقل عن 25 كيلومتر عن أي نشاط داجنيآخر. وعشرة كيلومترات لمزارع الأمات المؤصلة، وخمسة كيلومترات لمزارع إنتاج بيض المائدة، وثلاثة كيلومترات لمزارع تربية التسمين. كل تلك الأبعاد هي عن أي نشاط داجني آخر.
ثالثاً: إلزام اشتراطات لبناء الحظائر تمنع دخول القوارض من الأرض أو الجدران أو الأسقف مع إبعاد الحظيرة عن الأخرى أقلّه عرض الخطيرة الواحدة. وضرورة بناء جدران واقية من دخول الحيوانات المفترسة أو الأليفة.
رابعاً: إحداث مدخل واحد للمزرعة أو المجمّع يشمل مركزاً للإستحمام وتغيير الملابس تغييراً كاملاً لأي مسؤول أو عامل أو مشرف. والتخفيف من الزيارات إلى الحدود القصوى.
خامساً: توفير سكن لائق للعاملين المقيمين في المزرعة أو المجمّع. وتشجيع العاملين والمشرفين على البقاء في حرم المزرعة أو المجمّع مُدداً طويلة مقابل أخذ إجازات طويلة، وذلك للتخفيف من حركة الدخول والخروج وحمل الأوبئة.
سادساً: عدم زراعة الأشجار والمزروعات الأخرى منعاً لجذب الطيور البريّة إلى حرم المزرعة وبالتالي نقل الأوبئة.
سابعاً: إعتماد برامج تحصين للطيور تتوافق مع تعليمات السلطات البيطرية تحت طائلة الملاحقة والعقاب.
ثامناً: إعطاء كل مزرعة أو مجمّع لا تنطبق عليها المواصفات المذكورة فترة زمنية لا تزيد عن ثلاث سنوات لتوفيق أوضاعها بما يتلاءم وهذه الاجراءات الوقائية، بما فيها الإنتقال من البؤر المتقاربة أو الموبوءة تحت طائلة الإقفال.
بناءً عليه، يمكن الإستنتاج أنّ الحماية الجمركية والدعم وإعتماد إجراءات الأمان الحيوي هي ركائز تطوّر وإزدهار صناعة الدواجن في العالم العربي، حيث أنّها ستساهم في الأمن الغذائي لبلدانها من خلال توفير المادة الغذائية السليمة للمستهلكين وبأسعار مقبولة. المهندس موسى فريجي
musa@musafreiji.com
www.musafreiji.com
2/9/2020