تناوب على وزارة الاقتصاد وزراء عديدون منذ عام 1992. تمتعوا جميعاً دون استثناء أي منهم، بعقلية الإنفتاح المفرط واعتمدوا نظرية تخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة إلى معدّل ما دون الـ 5% إذعاناً لرغبة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية والدول العربية.
نتج عن هذه السياسة الاقتصادية السيئة أن توقف معظم الانتاج المحلّي من مفروشات وملبوسات وأحذية وأدوية ومصنعات مختلفة ومنتجات زراعية وغذائية على اختلاف أنواعها. أدّت هذه السياسة إلى هجرة الرساميل والكفاءات وزادت نسبة البطالة. أي أن لبنان أصبح بلداً ذات إقتصاد ريعي يلبس ممّا لا يصنع ويأكل مما لا يزرع.
وللإمعان في تثبيت هذا النهج الإقتصادي المدمّر، وقّع لبنان اتفاقيات تبادل تجاري حرّ مع مجموعات كالمجموعة الأوروبية ومجموعة اليورو متوسطية وإتفاقية المنطقة العربية الحرة. وكي لا يتسنّى لأي مجلس وزراء تعديل هذه الاتفاقيات، فقد أصرّ معتمدوها على تمريرها بموجب قوانين في مجلس النواب.
والآن، وبعد أن انهارت السياسة المالية المعتمدة، وإنفضح خُبث الدول التي جرّت لبنان إلى الإنفتاح عنوةً، وبعد أن تدنّت قيمة العملة الوطنية أمام العملة الصعبة تدنّياً حاداً، إرتفعت كلفة المعيشة إلى حدود لا يقوى عليها المواطنون الذين إمّا ظلّ دخلهم كما هو أو تدنّى أو صُرِفوا من عملِهم نتيجة إقفال آلاف المؤسسات السياحية والخدماتية والتجارية والتعليمية والصحيّة وغيرها.
على أثر الإنهيار المذكور لجأت الحكومة إلى دعم قيمة بعض المستوردات كالدواء ومستلزمات الانتاج الغذائي وبعض السلع الغذائية إضافة إلى دعمها المزمن للمحروقات والقمح.
لم يمضِ على إعتماد دعم مستلزمات الانتاج الزراعي والغذائي سوى شهرَين. وصلت المنتجات المدعومة إلى لبنان منذ شهر فقط وبالتالي لم ينتُج عنها إنتاج إستهلاكي مدعوم حتى يومنا هذا لأنّ الإنتاج الزراعي والحيواني وخاصة الحليب وبيض المائدة ولحوم الدواجن تأخذ وقتاً غير قليل للوصول إلى المستهلك.
عبثاً حاولت النقابات الزراعية المنتشرة في كل محافظات لبنان أن تشرح هذا الواقع لوزير الإقتصاد. لكنّ الأخير إنبرى، في خطوة دعائية إستعراضيّة، الى التوصية بوقف الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعي والغذائي بحجة أنّ هذا الدعم لم يُترجَم الى تخفيض سعر المنتجات المدعوم مستلزماتها للمستهلك.
إنّ تصرُّف وزير الإقتصاد هو تصرّف إرتجالي متسرِّع لا يستند الى فكرٍ خلاّق يحرّك ويحفّز الإنتاج الوطني على حساب المُستورَد. لقد خفِيَ عليه أنّ في الإنتاج الزراعي والغذائي لا وجود للإحتكار بل هنالك المنافسة العامة والشديدة بين مُنتجي الصنف الواحد وهي كفيلة بضبط الأسعار وإيصالها للمستهلك بأقل ما يمكن. كان عليه أن ينتظر قليلاً ليرى ثمرة الدعم المعتمد بدل أن يهدِّم ما قام به.
إنّ قرار وزير الإقتصاد بإيقاف الموافقة على دعم مستلزمات المنتجات الزراعية والغذائية، وكذلك تهديده بفتح باب الإستيراد للمنتجات المماثلة، إنّما هو مؤامرة مكشوفة لمسايرة المستوردين لهذه المواد من بلدان كلفة إنتاجها متدنّية لأسباب بيئية أو بسبب دعم هذه المنتجات دعماً مادياً مباشراً من حكوماتها.
إنّ الفِكر الذي يتمتع به وزير الإقتصاد راوول نعمه هو فكر إنتهجه من قبل كل وزراء الإقتصاد ورؤساء الوزارات السابقين مسايرةً للدول التي ترغب في تصدير الفائض من إنتاجها دعماً لإقتصادها ولو كان ذلك على حساب مصلحة المواطنين اللبنانيين وخاصةً المنخرطين في الإنتاج الصناعي والزراعي والغذائي والدوائي.
راوول نعمه، أيامك في الوزارة معدودة. لقد نجحت في سلوك الفاشلين من الوزراء الذين هدّموا إقتصاد لبنان بسبب قِصَر نظرهم وسوء فهمِهم للأسس السليمة لإدارة إقتصاد لبنان. وإلاّ فماذا يُفسِّر إنهيار لبنان المالي والإقتصادي غير ذلك؟
المهندس موسى فريجي
musa@musafreiji.com
www.musafreiji.com
7/9/2020