لا يظنّن أحدٌ أن مجرّد توقيع إتفاقيات تبادل تجاري حرّ تعني أن إنسياب البضائع بين الدول الموقِعة يأخذ مجراه بطريقة سهلة لا تعوقها عقبات وعراقيل.
سَلوا المصدِّرين اللبنانيين عن الإشتراطات المعقّدة والعديدة التي يواجهونها من السلطات في البلدان المصدَّر لها. وكم من مّرة رُفضت وأعيدت المنتجات اللبنانية بحججٍ قاسية ومعظمها مبالغ فيه ولا تقابلها إشتراطات مماثلة من السلطات اللبنانية لدى الإستيراد.
هذا من جهة، أما من الجهة الاخرى والأهم فإن المستوردين والمصدرين هم تجاراً وليسوا سلطات. فالأسعار والنوعيات وشروط الدفع كلها تلعب دوراً في إتمام الصفقات. من هنا نرى أنّ دعم الانتاج ودعم التصدير، التي أشرنا إليها سابقاً، تساعد المصدِّر إلى لبنان بينما في المقابل فالمصدّر اللبناني لا يحصل على ذات الميزة بسبب عجز لبنان عن دعم الإنتاج الوطني ودعم التصدير.
والغريب في أمر إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ هو أنّ الدول الموقِعة مع لبنان تلجأ من حينٍلآخر الى إعتماد إجراءات تعسفية مخالفة لنصوص الاتفاقيات، فتمنع استيراد منتجات محدّدة أو تفرض رسوماً مبتكرة بحجج واهية لا تحاكي الواقع، إنما هي إجراءات حمائية لإنتاجها الوطني بصورة ملتوية. نذكر من هذه الدول المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، على سبيل المثال لا الحصر.
ثم إنّ الاتفاقيات المذكورة تحصر التبادل في المنتجات ولا تسمح التبادل في المواطنين، فإن البطالة الناتجة عن تدفّق المنتجات الأرخص ثمناً لا يُسمح لها بالتوجه للعمل في البلدان المصدِّرة كي يحصل توازن في مستوى إقتصاديات الدول الموقعة لهكذا إتفاقيات.أليس في هذا إستغلال وإذلال؟
وإستناداً إلى هذا الواقع، فقد تراجع الإنتاج الوطني الزراعي والغذائي والدوائي والصناعي أمام المستوردات منذ تمّ التوقيع على إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ في أوائل القرن الواحد والعشرين. ومع هذا التراجع، غاب عنصر الإبتكار وغابت عناصر الخبرات المتراكمة والتي تؤدي إلى تحسين النوعيات وتخفيف الكلفة كي تكون منافِسة وقادرة على الإكتفاء الذاتي أولاً، ثم إلى ولوج أسواق التصدير في مرحلة لاحقة.
من هنا فإنني ناديتُ وأنادي بإيقاف العمل بالإتفاقيات المبرمة واعتماد مبدأ "حرية التبادل التجاري" بدلاً من إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ إفساحاً في المجال لنقل لبنان من بلدٍ ريعي إلى بلدٍ منتج.