من المسلّم به، واعتماداً على إحصاءات الجمارك اللبنانية، ان العجز التجاري السنوي تاروح ما بين 10 و 18 مليار دولار سنوياً طيلة عقود من الزمن. لكن العجز الأكبر حدث من ذ العام 1994 أي بعد أن قررت الحكومات المتعاقبة في العقد الأخير من القرن الماضي توقيع اتفاقيات تبادل تجاري حرّ مع دول ومنظمات عديدة. ومن المؤسف أن هذه الحكومات رضخت لضغوط المجموعة الاوروبية والولايات المتحدة الأميركية وجامعة الدول العربية كي تو قع على هكذا إتفاقيات غير عابئة بالمنافسة غير المتكافئة للمنتج اللبناني من الدول المصدرة.
تتمثل المنافسة غير المتكافئة في كون معظم الدول المذكورة تدعم انتاجها وخاصة الزارعي والغذائي دعماً كبيراً وتدعم أيضاً صادارتها الصناعية والزارعية. نتج عن ذلك أن اقفلت العديد من الصناعات اللبنانية أبوابها، ممّا أدّى الى تدنّي الانتاج الزارعي الى مستويات تهدد الأمن الغذائي اللبناني.
ونتيجة لإقفال المصانع وتارجع الزارعة، لم يبق من فرص عمل للكفاءات اللبنانية من خريجي الجامعات وللمستثمرين إلاّ من خلال الإغتراب الى بلا د ترحّب بهم خاصة لكونهم متف وقون في العمل والتجارة والصناعة والإبداع.
يقدر عدد اللبنانيين الذين يهاجرون الى بلدا ن ككندا والولايات المتحدة الأميركية أوستارليا وأوروبا بخمسة عشر ألفاً سنوياً. و يقدر عدد الذين يهاجرون الى دول أفريقية وخليجية بعشرة آلاف سنوياً. هذا يعني أن خمسة وعشرين ألفاً من أصحاب الخبرة والاختصاص يهاجرون دون عودة.
من هنا يعتبر لبنان مصدراً لكفاءاته المتعلّمة والمقتدرة. تبلغ تكلفة كل متخرّج من الجامعات مامعدله نصف مليون دولار من لحظة ولادته وحتى تخرجه. كما تقدّر خسارة مساهمته في الاقتصاد الوطني فيما لو قدر له أن يجد عملاً ويبقى في لبنان بمليون دولار. هذا يعني أنّ تكلفة تنشئة وتعليم كل متخرّج جامعي تصل الى 1,5 مليون دولار شاملة خسارة مساهمته في الاقتصاد اللبناني .
وعليه فإن قيمة ال 25000 متخرّج الذين يغادرون لبنان سنوياً تصل الى 37,5 مليار دولار سنوياً.
لكنهم يحولون الى أهاليهم في لبنان ما معدله 7,5 مليار دولار سنوياً. وبالتالي فإن قيمة المتخ رجين المهاجرين السنوية الصافية هي 30 مليار دولار .
ولمّا كانت قيمة المستوردات في العام 2021 قد تدنت الى 13 مليار دولار، فيكون بذلك الفائض لصالح الصادارت 17 مليار دولار سنوياً.
لكن من المؤسف أن هذا الفائض هو نزيف بشر ي كبير يترك لبنان دون مقوّمات إقتصادية واضحة ومؤثرة. فالثروة البشرية التي يخسرها لبنان لا بديل لها لنهضته وتطوره .