إنطلقت مشاريع إنتاج بيض المائدة في مصر منذ الإنفتاح الإقتصادي في سبعينيات القرن المُنصرِم. تعدّدت المشاريع المتكاملة التي إعتمدت التربية والإنتاج في بطاريات لدى الشركة العامة للدواجن والعديد من مشاريع القطاع الخاص. كما عمدَ العديد من صغار المزارعين الى تربية أرضيّة للدجاج البيّاض في حظائر مفتوحة. تراوح عدد طيور الحظائر المفتوحة بالتربية الأرضية بين خمسة آلاف وماية ألف طائر. بينما تراوح عدد طيور الحظائر شبه المفتوحة والمغلقة بنظام البطاريات بين ماية وأربعماية ألف طائر.
لا يتمتع إنتاج بيض المائدة بأي حماية جمركيّة لكنّه يخضع لإجازة مسبقة. لكن لم يسبق أن إستَوردَت مصر بيض المائدة لِسبَبَين، أوّلهما قدرة الإنتاج المحلّي على تلبية الإستهلاك منذ 1980 وحتى الآن، وثانيهما أنّ طلب البيض يكون للطازج غير المبرّد وعليه وجب إنتاجه محلياً. وبناءً لهذه الظاهرة لم يتعدَّ حجم تجارة بيض المائدة في العالم 2,5% وغالباً ما تحدث بين دولٍ متجاورة ينتقل البيض بينها طازجاً غير مُبرّد.
من سوء الطالع أن إعتمدت كل مشاريع إنتاج بيض المائدة في نظام التربية بالبطاريات وحدة مخصّصة لمرحلة التربية أي حتى عمر 16 أسبوع وثلاث وحدات مخصّصة لمرحلة الإنتاج. والوحدة هنا تعني عنبراً واحداً للتربية أو أكثر مقابل ثلاثة عنابر للإنتاج أو أكثر في موقع واحد. وغالباً ماتكون سيور الإنتاج متصلة بين العنابر الثلاثة ذات الأعمار المتباعدة أو أضعافها توصل البيض الى مستودع مشترك لِعَرب البيض وتوضيبه.
أقول أنّ ذلك تمّ بصورة تُخالف أبسط قواعد الحظر الوقائي أو الأمان الحيوي والتي تقضي بتربية عمر واحد من نوع واحد في المزرعة الواحدة في آنٍ واحد بحيث يمكن تفريغ المزرعة بشكلٍ كامل مرّةً كل دورة وإجراء الإصلاحات والصيانة الضروريَّتَين وغسل وتعقيم العنابر والأقفاص وتركها خالية من الطيور لفترة لا تقلّ عن ستة أسابيع قبل إستقبال قطيع جديد منها. كل ذلك من أجل التخلّص من أي آفات أو أمراض كانت قد أصابت القطيع السابق كالسلمونيلا والمايكوبلازما والكوريزا والكوليرا والإنفلونزا والنيوكاسل وغيرها.
إنّ معدّل إنتاجية الدجاجة البيّاضة الواحدة في الظروف الحالية لمزارع إنتاج البيض في مصر لا تتجاوز الـ 280 بيضة، بينما القدرة الإنتاجية للسلالات الزائعة السيط تصل الى 340 بيضة في عمرها الإنتاجي حتى عمر 17 شهراً و 400 بيضة حتى عمر 21 شهراً. ضرب إنفلونزا الطيور شديد الضراوة مصر في فبراير 2006 وإستوطن حتى يومنا هذا. والسبب الرئيسي لإستيطانه هو تعدّد الأعمار في المزرعة الواحدة والتربية المنزلية وعدم إعتماد إجراءات الأمان الحيوي. لقد أنذرَ وما زال هذا الفيروس الآخذ في التحوّر يُنذر بكارثة عالمية لوصوله الى درجة الوباء بين البشر. إعتمدت مصر قاعدة التحصين ضد هذا المرض الفتاك، لكن وبالرّغم من التحصين ما زال ينتشر ويُصيب الدواجن من كافة الأنواع والأعمار نظراً لِقُرب المزارع من بعضها وخاصةً في منطقة الدلتا.
إنّ الوسيلة الوحيدة للخلاص من هذا المرض هي في نقل مزارع الدواجن لأي فئة إنتمَت من المناطق السكنيّة الى المناطق الصحراويّة بأسرع وقت ممكن. لن يحدث ذلك إلاّ بالتشريع الحكومي الملزم في مهلة زمنية محدّدة وعلى التشريع أن يتضمّن الأُسس التالية:
1. إعتماد مسافات دُنيا بين النشاطات الداجنة المختلفة كَ: 25 كيلومتر بين أي مشروع جدود وأي نشاط داجني آخر 10 كيلومتر بين أي مشروع أمات وأي نشاط داجني آخر 5 كيلومتر بين أي مشروع لإنتاج البيض وأي نشاط داجني آخر 3 كيلومتر بين أي مشروع تسمين وأي نشاط داجني آخر
2. وضع المواصفات الدقيقة للحظائر الجديدة من حيث متانة أرضها وجدرانها وسقوفها بحيث تمنع دخول القوارض والطيور البريّة والأليفة، وجود مدافن مُحكمة الإغلاق لدفن النافق اليومي، وجود مساكن مريحة لسكن العمّال، وجود مخازن العلف وغيرها.
3. إلزام العمر الواحد من الفئة الواحدة في المزرعة الواحدة في آنٍ واحد وعدم السماح بتعدّد الفئات أو الأعمار بحيث يتمّ تنظيف وتعقيم المزرعة بين الفوج والتالي مع فترة إستراحة كافية. ففي حالة الدجاج البيّاض يجب أن تتمّ التربية في موقع محدّد وتتمّ إقامة مزارع الإنتاج في مواقع مُتباعدة أيضاً.
4. إيقاف إستخدام لقاحات إنفلونزا الطيور في المزارع الجديدة في المناطق الصحراوية وإعدام الطيور التي تظهر عليها علامات المرض أو ما يشير الى أنّه تمّ تلقيحها وذلك على نفقة أصحابها.
5. عدم السماح بتصنيع العلف ضمن مزارع الدواجن حفاظاً على مستوىً عالٍ من الأمان الحيوي.
6. عدم تخصيص مدن داجنة لأنّ هذه المدن ستهدّد مساحات شاسعة من الأراضي التي يمكن أن تزرَع، بينما إعتماد الأبعاد الوقائية الدُّنيا المُشار إليها أعلاه تترك المساحات بين هذه المزارع لنشاطات الزراعة النباتية، ناهيكم عن عدم إختلاط المتعاطين بمزارع الدواجن بين بعضهم كما لو تواجدوا في مدن داجنة بدون إعتماد الأبعاد الوقائية.
إذا كنّا نريد رفع شأن مزارع الدواجن في مصر وإعتماد سياسة الإكتفاء الذاتي من بيض المائدة ولحم الدواجن، فإنّ تدخُّل الدولة في التشريعات والقرارات المُلزِمة يأتي في المقام الأول لإصلاح ذات البَين.