بقلم م. موسى فريجي
بداية أود ان أشير إلى أهمية أن تعتمد أية دولة سياسية إقتصادية تخدم مصلحة مواطنيها لأن أي سياسة لايمكن ان تكون هدفاً بحد ذاتها بل وسيلة لتحسين حال المواطنين .كما أود ان أفرق بين الدول التي لديها منتجات تتمتع بميزة تفاضلية تنافسية بأحجام كبيرة تجعل الميزان التجاري لصالح الصادرات وتلك التي تفتقرإلى هذه الميزة وبالتالي يفوق حجم استيراداتها أضعاف حجم صادراتها فأقول بأنني أنادي بسياسة الانفتاح للأولى بينما أنادي بسياسة الحماية للثانية .
يقع لبنان قي مقدمة الدول التي يصل حجم استيراداتها خمسة أضعاف حجم صادراتها حسب آخر احصاءات للجمارك اللبنانية. وقد تفاقم هذا الفارق مع توقيع اتفاقات التبادل التجاري الحر مع الدول الأخرى منذ عام 1995 ومع تخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات والتي جاءت مع دول تعتمد سياسة دعم انتاجها إما عن طريق توفير الطاقة بأسعار متدنية كونها منتجة للبترول ، أو عن طريق دعم الإنتاج المحلي أو دعم التصدير . وفي جميع هذه الحالات واجهت الصناعة والزراعة في لبنان منافسة غير متكافئة وغير عادلة قلصت من حجمها ووجودها .نتج عن ذلك انتقال الكفاءات اللبنانية برساميها وخبرتها الطويلة إلى دول تحفز الاستثمار وتشجعه . كما نتج عن هكذا سياسة هجرة الأدمغة اللبنانية بسبب ضيق فرص العمل في لبنان. من جهة اخرى فلبنان غير قادر على دعم الإنتاج والتصدير بسبب العجز الكبيرلميزان المدفوعات وتفاقم الدين العام .
إذاً أنا من دعاة حماية الإنتاج الوطني حماية جمركية فاعلة ومؤثرة وبالتالي تعديل الإتفاقات المبرمة مع كل الدول و المنظمات عازياً هكذا سياسة إلى المعطيات والمبررات التالية :
أولاً : إن كلفة الأنتاج الصناعي والزراعي في لبنان مرتفعة بسبب إجراءات الدولة من رسوم على المحروقات ورسم القيمة المضافة ورسوم جمركيةعلى بعض مدخلات الأنتاج والرسوم المختلفة والرشوة وغيرها . وعليه تصبح القدرة على التصدير شبه مستحيلة .
ثانياً : مرّ على لبنان 35 عاماً من الحرب الاهلية والخلافات الحادة وعدم الاستقرار ممّا جعل القطاع الصناعي والزراعي بعيدأ عن التحديث وبالتالي بعيداً عن تخفيض كلفة الأنتاج وتحسين النوعية. من هنا وجب تحفيز هذين القطاعين كي يقوم أصحاب المشاريع على تحديثها ومواكبة التقنيات الحديثة .
ثالثاً : من الحكمة بمكان أن يتم تنويع مصادر دخل اللبنانيين وتنويع الإقتصاد وعدم اعتمادها على القطاعات الخدماتية فقط كون هذه القطاعات مناطقية غير عامة كل لبنان وكون أن أية هزّة أمنية قد تفقد الدخل من السياحة أو الخدمات المصرفية والطبية والتعليمية .
رابعاً : هنالك حوالي 25 ألف متخرج سنوياً من الجامعات والمعاهد يطلبون وظائف . يستحيل استيعابهم في قطاعات الخدمات أو وظائف الدولة . إذأ لا بد من تحديث القطاعات الأنتاجية كي تساهم في استيعابهم .
خامساً : في معظم الحالات تكون المنتجات المستوردة الأقل سعرا مدعومة من مصدرها انتاجاً أو تصديراً وهذا يجعلها منافسة الإنتاج اللبناني غير المدعوم منافسة غير مشروعة وغير متكافئة ناهيك عن كون الدعم مخالف لإتفاقات منظمة التجارة العالمية. وقد جاء قانون حماية الإنتاج الوطني بوضعه الحالي غير قادر على حماية الإنتاج الوطني من مما رسات الدعم غير المشروع من الدول المصدّرة للبنان.
سادسا ً: أن الحماية الجمركية سوف تحفز المستثمرين بالولوج إلى الاستثمار في القطاعات الإنتاجية المحلية لأنتاجهم متوفر محلياً ولا ضرورة لهم لإيجاد أسواق خارجية لإنتاجهم .
سابعاً : قد ترفع الرسوم الجمركية من قيمة المنتجات المستوردة أو تلك المنتجة محلياً محل المستوردة ولكن يقابل هذه الزيادة إيجاد فرص عمل لمحتاجينها وما اكثرهم . فمن الأفضل والاحرى زيادة كلفة المعيشة زيادة طفيفة مع توفر الدخل بدلاً من كلفة معيشة أقل لكن مع بطالة عامة .
ثامناً : عندما تقرر الدولة فرض أو زيادة الرسوم أوعندما أقرت رسم القيمة المضافة لم تتوارى عن القيام بهذه الإجراءات بالرغم من كونها زادت من كلفة معيشة المواطنين من دون ان توفر لهم فرص عمل جديدة مقابل هذه الرسوم. فلماذا تثير الحكومة زيادة كلفة المعيشة لدى مطالبة القطاعات الأنتاجية بالحماية الجمركية .
تاسعاً : إن فرض الرسوم الجمركية سوف يزيد من دخل الحكومة من هذه الرسوم وبالتالي يساهم في تخفيف عجز الموازنة المتفاقم .
عاشراً : من الصعب نقل لبنان من مصاف الدول النامية الى تلك المتقدمة أو الصناعية دون المرور بمراحل الإنتاج وتراكم الخبرات والتعلم على تحسين الكفاءة وتخفيض الكلفة .
حادي عشر : تقوم الدولة بحماية قطاعات عديدة من المجتمعات اللبنانية. فالنقابات المهنية محميّة بقوانينها الملزمة فتمنع استقدام محامين ومهندسين وصيادلة من مما رسة أعمال ممامثلة التي يمارسها اللبنانيون .ومحطات بيع المحروقات والصيدليات محمية بمسافات دنيا بينها .
وصناعة الترابة الأسمنتية محميةحماية قصوى بمنع الاستيراد . والكابلات الكهربائية محمية بمنع استيراد مثيل المنتج محليا . فلماذا تكون اجرءات الحماية انتقائية وتصبح غير مرغوب بها عندما يعود الامر للقطاعات الصناعية والزراعية.
ثاني عشر: في اوائل عام 2008 إرتفعت قيمة معظم المواد الغذائية إرتفاعا كبيرا . فالقمح والذرة وكسبة فول الصويا ومنتجات الالبان وغيرها تضاعف سعرها تقريبا وإضطر لبنان لإستيرادها بأسعارها المرتفعة بدون اية مقاومة.فمن يكفل عدم تكرارهذه الظاهرة مستقبلا ولبنان يعتمد على الإستيراد بدل الإتكال على نفسه ولو جزئيا.
ثالث عشر: يزداد عدد سكان العالم بواقع 2% سنويا الامر الذي سيضاعف حاجة هذا العالم للغذاء بحلول عام 2050 مقارنة بعام 2000. هذا سيجعل بعض الدول تلجأ إلى منع تصدير بعض منتجاتها وتعطي الاولوية لاستهلاك مواطنيها. وهذا ما حدث بالفعل لدى إرتفاع قيمة المواد الغذائية في اوائل عام 2008 حيث منعت مصر تصدير الارز ومنعت الهند تصدير الزيوت النباتية وخفضت ماليزيا تصدير زيت البلح.