تعدّدت الحلقات التلفزيونية واللقاءات مؤخراً للتداول في مرض أنفلونزا الطيور . شملت هذه الحلقات واللقاءات حقائق كما شملت اجتهادات وصلت إلى حد الافتراء والادعاءات التي لا تستند إلى براهين وحتى أسس علمية الأمر الذي أثار ويثير الشكوك لدى المواطنين في إقبالهم على استهلاك لحم الدجاج وبيض المائدة .
وتنويراً للمواطنين نورد فيما يلي الحقائق ونفند الادعاءات الخاطئة :
في الحقائق
إن منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة صحة الحيوان العالمية وهما منظمتان تابعتان للأمم المتحدة قد أصدرتا بيانات عديدة تشرحان أسباب هذا المرض وتصنيفه ووسائل انتقاله والمخاطر المترتبة عليه للطيور والإنسان على السواء كما تنشران أخباره في العالم والتطورات الحاصلة :
تبيّن أن هنالك نوعان من الفيروس أحدهما خفيف الضراوة والآخر شديد الضراوة . وهي تسمح بتلقيح الطيور ضد الفيروس خفيف الضراوة ولا تعتبره مرضاً يؤذي الإنسان كما تسمح للبلدان التي يظهر فيها هذا المرض بتصدير إنتاجها من بيض المائدة ولحم الدجاج إلى البلدان الأخرى .أما النوع شديد الضراوة فهو الخطير من حيث سرعة تفشّيه في الطيور التي يصيبها إذ يقضي عليها خلال 48 ساعة من لحظة ظهور العوارض الأولى عليها .
إن انتقال المرض من بلد إلى آخر يتم عن طريق البط والإوز المهاجر وهما النوعان الوحيدان من الطيور التي تحملان المرض ولا تتأثران به لكنها تستطيع بواسطة البراز أن تنشره في المناطق التي تنتقل إليها في رحلة الهجرة من المناطق الباردة شتاءً وبالعكس صيفاً . فإن كان بعضها مصاباً فبإمكانه إحداث العدوى حيثما حطََّ وإلاّ لا ضرر منه .
تحسّباً لمنع انتقال المرض فهي تحذَر من صيد البطّ والإوز وتدعو إلى عدم إنشاء برك اصطناعية لترغيبه في النزول إليها وتدعو إلى تسكين الطيور البلدية والحمام والبطّ والإوز من البرك والمحميات الطبيعية .
أظهرت الإحصاءات التي نشرتها أن المرض تفشّى ليس في دول شرق آسيا منذ عام 1996 فحسب بل ظهر في إيطاليا منذ عام 1998 وفي الولايات المتحدة أعوام 2000 و 2001 و 2003 في ثلاث ولايات متتالية وفي كندا عام 2003 و 2005 وفي هولندا عام 2002 . ففي البلدان الغربية اعتمدت الحكومات محاصرة الأماكن الموبوءة وإعدام كل الطيور السليمة منعاً لانتقال المرض إلى أبعد من الدائرة المحاصرة. أما دول شرق آسيا فقد اعتمدت ذات الطريقة في بعضها كما اعتمدت تلقيح الطيور في بعضها الآخر تخفيفاً لسرعة انتشار المرض بين الطيور .
بالرغم من أن المرض منتشر منذ عام 1996 لكنه لم يصب إلاّ حوالي 150 شخصاً في العالم توفي منهم 70 شخصاً فقط الأمر الذي يظهر أن خطورته ليست بالمستوى الذي أظهرته وتظهره وسائل الإعلام .
إن الإحصاءات المدوّنة لدى بريطانيا والولايات المتحدة للوفيات من جراء أنفلونزا الإنسان تشير إلى معدّل سنوي هو خمسين ألف مواطن . واعتماداً على قاعدة النسبية يمكن القول أن هنالك مليون حادثة وفاة سنوياً في العالم من جراء أنفلونزا الإنسان الواسع الانتشار ، الذي قلّما ينجو أحد في العالم من التعرّض له مرة على الأقل في السنة الواحدة .
لم يتم تسجيل أية حالة مرضية في العالم منذ ظهور هذا المرض عام 1996 حتى الآن ناتجة عن العدوى من أكل بيض المائدة أو لحم الدجاج .
في الاجتهادات
من المؤسف أن عديداً من أطباء الإنسان وأحد الأطباء البيطريين في لبنان ركزوا في أحاديثهم عن هذا المرض من زاوية خطورته فيما لو حدث له طفرة جينيّة Mutation وأصبح بذلك ينتقل من إنسان إلى إنسان . كما استرسل بعضهم في التهويل وتخويف المواطنين بدل من توجيههم للمساهمة في عدم انتقال المرض إلى لبنان وإبقاء لبنان خالياً منه . نورد فيما يلي بعض هذه الادعاءات والإجابة عليها :
يقول بعضهم أن المرض ينتقل من الطيور المصابة إلى الإنسان بواسطة البيض ولحم الدجاج . الحقيقة هي أن المرض ينتقل من الطيور المصابة في أقنانها أو حظائرها إلى المتعاطين مع هذه الطيور وليس إلى المستهلك لأن الإصابة تقضي على الطيور بكاملها خلال 48 ساعة من لحظة ظهور العوارض ولا تبقى منها حيّاً يبيض أو يمكن ذبحه . وهذا ينطبق على الدجاج البيّاض والفروج والحبش والحمام والعصافير على أنواعها .
في الحالات النادرة التي يمكن أن يصل بيض أو لحم دجاج ملوّث فإن طهيه يقضي على الفيروس طالما تخطّت حرارة الطهي الـ 70 درجة مئوية وهذا حاصل في كل أشكال الطهي من غلي أو شوي أو قلي . هذا وقد أظهر بحث علمي مؤخراً أن حموضة عصّارات المعدة وحدها قادرة على قتل الفيروس وبذلك لا يمتصّه الجسم ولا تحصل العدوى عن طريق الأكل ولو نيئاً .
يقول أحد الأطباء البيطريين أنه لا يمكن الإعلان عن طيور غير مصابة إلاّ بعد فحصها في المختبر . وهذا إدعاء خاطئ إذ لا يمكن أن تبقى طيور حيّة في المزارع أو الأقنان إذا أصيبت بل ستنفق بسرعة شديدة . من المستحيل إخفاء حالات الإصابة بمرض أنفلونزا الطيور شديد الضراوة في أي مكان في العالم لأن المرض ، بحكم تسميته ، هو سريع العدوى بين الطيور ، ويقضي عليها بسرعة مذهلة وينتشر من منطقة إلى أخرى بسرعة كبيرة . وإذا اعتمدت الدولة مبدأ التعويض عن ضرر المزارعين المصابين فإن من مصلحتهم الإعلان عن الإصابات .
يسترسل عديد من الأطباء وأحد البيطريين في شرح خطورة المرض وإمكانية تحوله جينياً إلى النوع الذي ينتقل من إنسان إلى آخر . مع أن هذه الفرضية من الناحية العلمية قد تكون صحيحة لكنها من الناحية الواقعية غير صحيحة حتى الآن خصوصاً في ظل تدابير متشددة من الدول في إعدام الطيور غير المصابَة في دائرة محددة حول أية إصابة حقيقية تحصل .
الخلاصةإن أنفلونزا الطيور شديد الضراوة هو مرض لا ينتقل إلى الإنسان بواسطة استهلاك البيض أو لحم الدجاج ولم تسجّل أية إصابة في العالم عن طريق الاستهلاك . لذلك لا مبرر للتخوّف من استهلاك البيض ولحم الدجاج .
لم يعترِ المواطنون في الولايات المتحدة وهولندا وإيطاليا وكندا الخوف بالرغم من حصول المرض في بلدانهم وظلّوا يستهلكون البيض ولحم الدجاج لِوَعيِهم بأن المرض لا ينتقل عن طريق الاستهلاك .
إن العدوى الممكنة له للإنسان محصورة بالمتعاطين مع الطيور المصابة فقط وتتم بالاستنشاق وعن طريق الجهاز التنفسي .
لم يصَب لبنان بهذا المرض حتى الآن ولا أثر لوجود الفيروس فيه استناداً إلى انعدام حالات الوفيات واستناداً إلى نتائج الفحوصات المخبرية بمختبر الفنار ومختبر الجامعة الأميركية .
على الدولة والمزارعين والمواطنين التعاون وأخذ الإجراءات التي تمنع دخول هذا المرض إلى لبنان.