Blog-Image

على الثوار العودة للمطالبة بفرص العمل

January 02, 2020 Musa Freiji Articles

على الثوار العودة للمطالبة بفرص العمل وعلى القطاعات الإنتاجية المطالبة بتفعيلها

بدأت الثورة في لبنان في 17/10/2019 وطغت على المعتصمين المطالبة بفرص للعمل وبعدم هجرة الكفاءات والمتخرّجين الجامعيين. وكم شاهدنا من مقابلات على شاشات التلفزيون لمتظاهرين وهم يردِّدون على أنهم في الساحات يطالبون بعمل وبدخلٍ يسدّون به حاجاتهم الملحَة.

لكن ما أن ظهرت مشكلة عدم توفّر السيولة في البنوك وإجراءات المصارف المتعلّقة بـعدم توفير مدخرات المودعين، حتى تحوّلت التعليقات والبيانات والمحاضرات والمقابلات التلفزيونية إلى تحليل مستفيض للوضع المالي المأساوي وأسبابه ومسبّبيه من حاكم مصرف لبنان إلى جمعية المصارف إلى الحكومات المتعاقبة وإلى رؤساء الوزارات ووزراء المالية ومجلس النواب وكل من له تعاطٍ بالشأن العام. وصلت التعليقات إلى حد إتهام رؤوسٍ كبيرة بالفساد وسرقة المال العام والهدر والتهرّب الضريبي وسوء إدارة الدولة والإستفادة غير المشروعة وغيرها من الموبقات التي أوصلت الوضع المالي في لبنان إلى درجة الإفلاس الحقيقي.

على أهمية تحليل الوضع المالي المأساوي، يبدو أنّ مشكلة البطالة التي وصلت إلى 40%، وهي على إزدياد مع إقفال العديد من المؤسسات التجارية والصناعية، لم تعُد مطلباً يأخذ حجمه الحقيقي والهام والملحّ في الساحات.

من الواضح أنّ معالجة الشأن المالي تتطلّب العديد من الإجراءات القانونية والقضائية وهي غير متوفّرة بغياب حكومة فاعلة وبظل مجلس نواب مطعون بشرعيّته وبغياب هيئة قضائية مستقلة تتمتع بصلاحيات إستثنائية للملاحقة وإصدار الأحكام.

لذلك فإنّ عودة المتظاهرين للتركيز على مطلبهم الأساسي وهو إيجاد فرص عمل للعاطلين وإستيعاب الكفاءات وخرّيجي الجامعات هو المدخل الملحّ الواجب إعادة إحيائه في كل الساحات و في كل المناطق اللبنانية.

علىأنّتحقيقهذاالأمرليسبالعسيرعلىأيحكومةوحتىلحكومةتصريفالأعمالولايتطلّبمنالدولةأيإلتزاماتماليةبلتشريعاتحِمائيةفقطلاغير.

هنالك مسلّمات محسوسة ملموسة لا يمكن تجاهلها يمكن الإعتماد عليها لإيجاد الحل لمشكلة البطالة وهي:

  • بلغ العجز في الميزان التجاري مبلغ 17,5 مليار دولار سنوياً. أي أنّ قيمة الواردات بلغت 20 مليار دولار بينما قيمة الصادرات تدنّت تدريجياً إلى 2,5 مليار دولار سنوياً وذلك بالرغم من وجود إتفاقيات للتبادل التجاري الحرّ مع الدول العربية والأوروبية.
  • يتطلّب الإستيراد توفّر العملة الصعبة وفي مقدمتها الدولار وهذه أصبحت نادرة الوجود لدى المصارف أو التجّار.
  • أصبح لبنان بلداً ريعياً بسبب تبنّي الحكومات المتعاقبة منذ عام 1992 حتى الآن سياسة الإنفتاح المتوحش فغزت لبنان المنتجات الصناعية والزراعية المدعوم إنتاجها أو تصديرها أو الإثنين معاً من الدول المصدّرة كالولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية وتركيا والصين والدول العربية. نتج عن ذلك إقفال العديد من الصناعات والتوقف عن زراعات عديدة ونتجَ عن ذلك تعاظم البطالة.
  • يهاجر من الكفاءات وخريجي الجامعات ما لا يقل عن 25,000 متخرّج من لبنان إلى بلدان عربية وغربية سنوياً. كان هؤلاء يُورِّدون إلى لبنان حوالي 7 مليارات دولار سنوياً وكان المسؤولون يتباهون بهذا الإنجاز ومنهم حاكم مصرف لبنان ورؤساء الحكومات المتعاقبة. لكن الحقيقة الصاعقة هي أنّ كلفة كل متخرّج هي نصف مليون دولار منذ ولادته حتى تخرجه، الأمر الذي جعل هذا الإجراء يخسّر لبنان حوالي 6 مليارات دولار سنوياً عدا عن قيمة إنجازاتهم في لبنان فيما لو توفرت لهم فرص العمل فيه والمساهمة في نهضته.

مما تقدّم يمكن الإستنتاج أنّ حل مشكلة البطالة يتطلب إعادة إحياء القطاعات الإنتاجية صناعية كانت أم زراعية. لكن هذا الأمر يتطلّب الإستثمار في هذه القطاعات وبالتالي توفير فرص العمل. لكنّ المستثمرين لن يُقدِموا على الإستثمار بظل وجود إتفاقيات تبادل تجاري حرّ موقعة مع لبنان. لذلك أصبح لزاماً على الحكومة تجميد العمل بهذه الإتفاقيات ثم وضع رسوم جمركية فاعلة لا تقل عن 50% مع حد أدنى للإستيفاء الجمركي على كل منتج يتمّ إنتاجه أو يمكن أن ينتج في لبنان وذلك بصورة فورية.

هكذا إجراء سوف يحفِّز المغتربين الراغبين في العودة إلى لبنان وكذلك المقيمين أو حتى غير المغتربين للعودة بمدخراتهم والإستثمار في القطاعات المحميّة جمركياً وبالتالي يُوفِّروا الفرص العمل للعاطلين.

رُبّ قائلٍ أنّ هكذا رسوم جمركية سوف تزيد من كلفة المعيشة. هذا صحيح لكنّ علاجه لا يختلف عن أي زيادات في قيمة المستوردات لدى حدوثها.

العلاج يكمُن في رفع الحدّ الأدنى للأجور والأجور الأخرى تماماً كما حدث في عام 2008 لدى حدوث أزمة إقتصادية عالمية زادت معها أسعار المنتجات المستورَدة إلى لبنان وتلاها رفع الحد الأدنى للأجور من 350,000 ل.ل. إلى 675,000 ل.ل. دون إعتراض أحد من التجار أو المنتجين اللبنانيين.

هكذا وهكذا فقط يمكن معالجة مشكلة البطالة وعودة لبنان إلى نادي الصناعيين والمزارعين المنتجين وتهيئة لبنان ليصبح بلداً صناعياً وزراعياً يوفّر العديد من غذائه وصناعاته ويهيّئ ذاته ليصبح بإمكانه تصدير مثل هذه المنتجات بعد المرور بمراحل تخفيض كلفة الإنتاج وتحسين النوعية.

                                                               المهندس موسى فريجي

                      mfreiji@tanmia.com.lb       

                     www.musafreiji.com

2/1/2020

Add your comment Here

Your email address will not be published.