Blog-Image

كيف وصلت البطالة إلى 30% وكيف وصل لبنان إلى حافة الهاوية

October 29, 2019 Musa Freiji Articles

معظم مطالب المتظاهرين وخاصة الذين تتفاوت أعمارهم بين 18 و 30 سنة يشكون من البطالة أو من عدم وجود فرص عمل لا في لبنان ولا في دول الخليج العربي ولا في باقي أصقاع العالم. أي أنّ البطالة هي العامل الأكثر تحريكاً للشارع. فكيف وصلت بنا الحال إلى هذا المستوى؟

إعتمدت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1992 سياسة العولمة والإنفتاح والتي فرضتها الدول الغربية على لبنان من خلال توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومن خلال وزراء ومسؤولين تولّوا مراكز وزارية أو متقدّمة في وزارات المال والإقتصاد تتلمزوا على يد هاتين المؤسّستَين، ففرضوا التشريعات والقوانين والقرارات التي خدمت وما زالت تخدم مصالح الدول الغربية على حساب إقتصاد لبنان ومنها:

  • توقيع إتفاقية التبادل التجاري الحر مع المجموعة الأوروبية والتصديق عليها من مجلس النواب.
  • توقيع إتفاقية التبادل التجاري الحر مع الدول اليورو متوسطية والتصديق عليها من مجلس النواب.
  • توقيع إتفاقية المنظمة العربية الحرة (المعروفة بإتفاقية التيسير العربية) والتصديق عليها من مجلس النواب.
  • وضع قانون حماية الإنتاج الوطني الذي لا يمكنه بنصوصه أن يحمي أي إنتاج وطني.
  • وضع قانون حماية المستهلك الذي بمندرجاته يُخيف ويُرعب المنتِج المحلّي ويسهّل الإستيراد.
  • مفاوضة منظمة التجارة العالمية للإنضمام إليها كعضو دائم والتي ألزمت لبنان على تخفيض معدّل الرسوم الجمركية على المستوردات إلى 5%. وتحتّم هذه المنظمة على لبنان أن يحصل على إجماع الدول الأعضاء فيها بقبوله عضواً دائماً. وبسبب إصرار الولايات المتحدة الأميركية على لبنان لتخفيض الرسوم الجمركية على سلع بعينها إلى الصفر، ما زال لبنان عضواً مراقباً في هذه المنظمة.

نتج عن كل هذه الإتفاقيات والقوانين أن واجهت الصناعات المحلية والزراعات المختلفة، والتي كانت مزدهرة حتى خلال الحرب الأهلية، منافسة شرسة من كل دول العالم وخاصةً من الدول التي وقّعنا معها إتفاقيات تبادل تجاري حرّ، أي سمحنا لها بدخول أسواقنا دون رسوم جمركية بتاتاً. فأقفلت معظم الصناعات وتوقفت العديد من الزراعات إلى أن وصل عجز الميزان التجاري إلى 17 مليار دولار سنوياً بسبب تراجع التصدير من 4,7 مليار دولار سنوياً إلى 2,5 مليار.

الجدير ذكره أن المنتجين في الدول المصدِّرة إلى لبنان سواء غربية أو شرقية أو عربية تتمتع إمّا بدعم لإنتاجها  أو دعم لتصديرها أو الى الإثنين معاً، فتصل منتجات كل هذه الدول إلى لبنان بأسعار دون كلفتها في بلدان منشأها وهذه منافسة غير مشروعة حتى بنظام منظمة التجارة العالمية. لكنّ ضعف لبنان وتخاذل المسؤولين فيه وفي مقدمتهم رؤساء الوزراء ووزراء المال والإقتصاد وحاكم مصرف لبنان وإتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة وإتحاد المصارف اللبنانبة، جميعهم تواطأوا على المنتجين اللبنانيين خدمةً لمصالحهم الشخصية والتي بدأت تظهر بأشكال الفساد المتعددة وبالعجز المالي وبالتهرّب الضريبي والإستيلاء على الأملاك العامة والثراء غير المشروع أي بنهب الدولة نهباً منظماً وموزعاً توزيعاً رائعاً يكفل إرضاء كل متربِّع في السلطة وله يد طويلة وله أزلامه وزعرانه لحمايته وحماية ثرواته وحماية بقائه متربعاً في مركزه.

هكذا تمّت هندسة تحويل لبنان من بلد منتج إلى بلد ريعي. هكذا تمّ تهجير الرساميل والخبرات اللبنانية إلى خارج لبنان هرباً من الفساد ومن التسلّط ومن فقدان العدالة. هكذا وصلنا إلى البطالة المتوحشة وبالتالي إلى الإنتفاضة المحقة.

على الثوّار أن يتنبّهوا إلى رفض كل محاولة تُثنيهم عن المطالبة بإستقالة الحكومة بكامل أعضائها من رئيس ووزراء وإستقالة حاكم مصرف لبنان ونوّابه ثم إلى تأليف حكومة تكنوقراط من ذوي الخبرة  والكفاءة لا يتعدى عددها الإثني عشر وزيراً. ثم الضغط على مجلس النواب لإعطاء الحكومة الجديدة الثقة فوراً وإعطائها صلاحيات إستثنائية للتشريع في تحديث وتعديل كل قانون أو قرار أوصلنا إلى ما نحن عليه من إفلاس مادي وأخلاقي وخاصة إلى تعديل فوري بالجسم القضائي كي يقوم بمهامه الأولى بالمحاسبة والملاحقة وتحصيل أموال الدولة المنهوبة.

فالبطالة لن تحلّ أزمتها إلاّ بإيجاد فرص عمل. وهذه لن تتأمّن إلاّ من خلال تحفيز المستثمرين للإستثمار في القطاعات الإنتاجية. والتحفيز لن يحصل إلاّ بحماية كل ما ينتج أو يمكن إنتاجه في لبنان حماية جمركية مرتفعة. وهذه لن تحصل دون تجميد العمل بكل إتفاقيات التبادل التجاري الحر مع كل الدول والمنظمات لمدة لا تقل عن عشر سنوات.

عددٌ كبير من المغتربين اللبنانيين تواق للعودة إلى لبنان بخبراته ومدخراته للإستثمار في لبنان لو توفرت له الحماية الضرورية. وهؤلاء قد تصل مدخراتهم الممكن أن تأتي إلى لبنان الى50 مليار دولار توفر فرص عمل لآلاف الموظفين والعمال وبالتالي تخفّض من البطالة التي يشكو منها المتظاهرون. في ظل هكذا سياسة لا بدّ من رفع الحد الأدنى للأجور والأجور الاخرى كي تتلاءم والزيادة المتوقعة في كلفة المعيشة.

إنني أدعو الشعب اللبناني الثائر إلى المُضي في التظاهر إلى أن تتحقق هذه الأمنيات. فهي فرصة لا تفوّت وقد لا تتكرّر.

كما أدعو حزب الله الى أن يُعيد النظر في موقفه من التشبّث ببقاء الحكومة لأنه بذلك سيُطيل من الأزمة المعيشية وحتى الكيانية. فغالبية اللبنانيين تدعم المقاومة وتجلّ إنجازاتها في التحرير وفي مواجهة العدو الإسرائيلي. لكنها لا تستطيع أن تبرّر موقف الحزب من الإبقاء على من أوصل البلد إلى هذا الوضع الإقتصادي المأساوي ولا على ثقته بأنّ من أفسد وكان هو فاسداً يمكن له أن يصحّح بل سوف يساير ويتحايل ويأخذ وقته في ذلك حتى يخرج سالماً مُصاناً دون إيصال البلد إلى برّ الأمان.

                                        المهندس موسى فريجي

03-612502                                            

           mfreiji@tanmia.com.lb    

      www.musafreiji.com         

بيروت، في 29/10/2019

Add your comment Here

Your email address will not be published.