برنامج إيدال لدعم تصدير المنتجات الغذائية

June 28, 2011 Musa Freiji Articles

برنامج إيدال لدعم تصدير المنتجات الغذائية تحليل وتقييم بقلم م. موسى فريجي

جاء تكليف المؤسسة اللبنانية لتشجيع الإستثمار (إيدال) بإدارة شأن دعم تصدير بعض المواد الزراعية منذ عشر سنوات دون دراسة معمّقة لهذه المبادرة. لقد قاومها بعض الوزراء ودعمها آخرون تحت عنوان مساعدة الإنتاج الزراعي وإرضاء شريحة من المنتجين.

وعندما شعر وزير الإقتصاد الأسبق في أوائل 2007 بعدم جدوى هذا الدعم إتّخذ مجلس الوزراء قراراً بتخفيض مستوى الدعم بمعدّل 20 % سنوياً والإنتهاء منه في غضون خمس سنوات والتي شارفت على الإنتهاء الآن.

والآن وبضغطٍ من المصدّرين وبعض المزارعين الذين يوهمون أنفسهم بأنّهم يطالبون بالعودة إلى برنامج دعم التصدير تلبيةً وخدمةً لمصالح كل المزارعين، دعت إيدال إلى ندوة عمل تتدارس خلالها إعادة إحياء برنامج دعم تصدير المنتجات الزراعية والغذائية.

هنالك حقائق لا يمكن تجاهلها في بحث موضوع مساعدة المزارعين والزراعة والصناعات الغذائية في لبنان مساعدة دائمة ثابتة لا تتأثر بالسياسات وبالضغوط:

1) إنّ كلفة الإنتاج الزراعي في لبنان هي مرتفعة جداً بالمقارنة مع عديد من الدول وخاصةً سوريا ومصر والقريبين جغرافياً.

وعليه وبظل اتفاقية السوق العربيّة الحرّة المعمول بها منذ 2004 فالمنتجات الزراعية والصناعية ترِد إلى لبنان من هذه الدول دون حماية جمركية البتة.

2) يرِد إلى لبنان أيضاً منتجات زراعية وغذائية من دول غير عربيّة.

ففي معظم الأحوال تتمتّع هذه المنتجات بدعمٍ لإنتاجها ودعمٍ لتصديرها من بلدان المنشأ كالولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية.

3) يرِد إلى لبنان أيضاً منتجات زراعية وغذائية من بلدان كلفة إنتاجها منخفضة بسبب طبيعة هذه البلدان المناخية الملائمة وغزارة إنتاجها وكلفته المنخفضة كالبرازيل والأرجنتين وأوكرانيا والصين وغيرها.

4) وصل حجم إستيراد المواد الغذائية إلى لبنان أكثر من 80% من حجم الإستهلاك الأمر الذي يؤكد ويعزَز الحقائق الثلاث السابقة.

5) لبنان يعاني من عجزٍ تجاري ضخم بلغ عام 2010 ثلاثة عشر مليار دولار. بلغت نسبة الصادرات 27% فقط من قيمة الواردات.

وارادات المواد الغذائية بلغت قيمتها 2,5 مليار دولار بينما بلغت صادرات المواد الغذائية، بالرغم من دعم تصدير بعضها، 510 ملايين دولار أي 20% فقط من حجم الواردات لهذه المواد. والملفت للإنتباه أنّه وبظل العمل بكامل نسبة الدعم على تصدير بعض المنتجات الزراعية كان حجم صادرات المواد الغذائية فقط 272 مليون دولار عام 2006. أي انّ حجم التصدير تضاعف بالرغم من إنخفاض الدعم الى 20 % ممّا كان.

ذلك يعني أنّه بالإمكان زيادة التصدير دون دعم لمنتجات يحتاجها سوق التصدير وعلينا التركيز عليها.

6) يزداد عدد الدول التي تسعى إلى التصدير دون دعم سنة بعد سنة لأنّ قدرتها التنافسية تسمح لها بذلك.

من هذه الدول البرازيل والأرجنتين وتايلند والصين وأوكرانيا ودول أوروبا الشرقية.

7) تصرّ الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية على دعم الزراعة لإعتبارات داخلية عديدة أهمّها الأمن الغذائي والمحافظة على البيئة وتوفير العيش الكريم للمزارعين. لكنّ العجب كلّ العجب أن تقوم هذه الدول الصناعية بدعم إنتاج ما يفيض عن حاجاتها الإستهلاكية ليطال الفائض المخصّص للتصدير. فهذه السياسة تُعرقل الدول المستورِدة ومنها لبنان من الإستعداد لإنتاج المواد الغذائية لأنّ هذه المواد تصلُها من الدول الصناعية بأسعار دون كلفتها في لبنان وبالطبع دون كلفتها في بلد المنشأ.

8) تتفاقم مديونيّة لبنان ساعةً بساعة وهي وصلت إلى 60 مليار دولار لا ندري كيف يمكن سدَها أو حتى دفع فوائدها. كما يتوالى عجز الموازنة والميزانيّة ويزدادُ بذلك عجز الخزينة. فكيف يمكن لبلدٍ مفلس أن يدعم تصدير إنتاجه المرتفع الكلفة والذي لا يمكن أن يصدّر معظمه إلاّ بالدعم؟

9) ثبتَ دون أي شك بأنّ أيَ دعم لا يصل الى المزارع بل يتمتّع به إمّا المصدَِر أو المستورِد أو المستهلك في بلد المقصد. ذلك أنّ مجرد إيهام المزارعين بأنّ دعم التصدير سيفتح لهم أسواق الدنيا بأسرها، يحفّزهم على زيادة إنتاجهم. وهذه الزيادة تصل إلى مستوى لا يتناسب مع إمكانية التصدير فيُطرح هذا الإنتاج الكبير في السوق المحلّية وينخفض سعره إلى دون كلفته فيتكبَد المزارع الخسارة الأكيدة. يكفي أن نذكّر بالخسارة التي مُنِيَ بها مُنتجو بيض المائدة للفترة بين أوائل 2010 ومنتصف 2011 من جرّاء زيادة العرض عن الطلب في السوق المحلّية بسبب حماس المزارعين لزيادة الإنتاج بُغية تصديره لكنّه إنتهى في السوق المحلّية لأنّ سعره مرتفع بالرغم من دعم التصدير. إذا كانت نيَة الحكومة صادقة في رغبتها بمساعدة المزارعين في لبنان فعليها أن تبحث عن الوسيلة الثابتة والناجعة والممكنة لها ولهم. وهذه الوسيلة هي حماية إنتاجهم من المنافسة الخارجيّة وتحفيزهم على الإقبال على إنتاج عديد من المنتجات الغذائية التي يتمّ أستيرادها حالياً لتحلّ محل جزء من المستورد. والحماية التي ندعو إليها هي الحماية الجمركيّة المؤثرة التي توفّر للمنتجين اللبنانيين هامشاً عادلاً من الربح. إنّ حسنات هذه السياسة هي:

1- إستبدال بعض المستورد بالإنتاج المحلي.

2- وجود سوق أكيد وهو السوق المحلّي لهذا الإنتاج.

3- عدم مطالبة الدولة المفلسة بتوفير الأموال اللازمة لدعم التصدير وبالتالي زيادة عجزها.

4- التخلّي عن إنتاج كميات كبيرة من أصناف بعينها قابلة للتصدير لكن بالدعم واللجوء إلى تنويع الإنتاج حسب حاجة السوق المحلية. 5- إضافة إلى إنتاج مواد للإستهلاك المحلي، يُصار إلى التركيز على إنتاج منتجات لها ميزة تفاضلية في أسواق التصدير كبعض أنواع الفاكهة التي تتطلّب مناخات جبليّة لا تتوفّر في محيطنا العربي. ربَ قائلٍ أنّ سياسة الحماية سترفع من قيمة المواد الغذائية المحميّة. هذا صحيح إلى حدَ ما ولمدة وجيزة ولا بأس إن حصل. ذلك أن تشجيع المنتجين على الإقبال على زراعات توقفوا عنها منذ زمن سيُكسبهم الخبرة اللازمة لتحسين النوعية وتخفيض الكلفة مع الوقت ومع إزدياد المنافسة الداخلية حتى يصل سعرها للمستهلك بسعر المستورَد. وهنالك حقيقة أخرى تدعم سياسة الحماية وهي أنّ أسعار المواد الغذائية في العالم هي على إزدياد وكم فوجئنا بأسعار مرتفعة دون أن يكون لنا حيلة إلاَ بشرائها لأنّنا لم نكن جاهزين لإنتاجها محلياً. وهذه الظاهرة سوف تتكرّر بوتيرة أكبر مع زيادة عدد سكان العالم. والحقيقة الثالثة هي أنّ الدولة تفرض على المواطنين رسوماً مختلفة وأهمّها رسم القيمة المضافة وهذه الرسوم ترفع من كلفة المعيشة طبعاً. فلماذا تطالب المزارعين بالتخلّي عن الإنتاج بحجّة أنّها لا تستطيع أن تحميهم تفادياً لزيادة كلفة المعيشة؟ والحقيقة الرابعة هي أن الدول الصناعية لم توقّع حتى الآن على إتفاقيات التبادل التجاري للمواد الزراعية والغذائية لدى منظمة التجارة العالميّة بحجّة حماية مزارعيها والصناعة الغذائية لديها. فلماذا على لبنان الإلتزام بإلغاء الحماية الجمركية على هكذا مواد والتردّد في إعادة إعتمادها. تكرر الحكومات المتعاقبة منذ 1990 على الإدّعاء في بيانها الوزاري وفي تصريحات بعض وزرائها على أنّها ترغب في دعم القطاعات الإنتاجية ومنها الزراعة.

لكن ظلّت هذه الرغبة حبراً على ورق طيلة عشرين سنة. لا بل زادت في الطين بلّة أن سارعت إلى توقيع إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ مع عديد من الدول العربية وغير العربية وأجهزت بذلك على العديد من الصناعات والزراعة المحلَية.

وإذا كانت الحكومة تحاول أن ترضي المزارعين بعظمة دعم التصدير فلأنها تودّ إلهاءهم عن الحل الجذري وهو الحماية الجمركية.

والمزارعون المساكين لا حول ولا قوة لهم إلاّ التعلّق بما هو مطروح. بينما المطلوب هو الأصرار على الحماية الجمركية الفاعلة والصادرة بموجب قانون في مجلس النواب حتى يكون لها ديمومة تحفَز المزارعين على الإستثمار في الزراعة والصناعيين على إنتاج المواد الغذائية لسد بعض من الحاجة المحلّية.

Add your comment Here

Your email address will not be published.