رداً على مقال معالي الوزير السابق فادي عبود

August 25, 2014 Musa Freiji Articles

أنقِذوا الإنتاج الوطني لإنقاذ الإقتصاد إطلعتُ بكل إهتمام على مقال معالي الوزير السابق الأستاذ فادي عبود المنشور بجريدة النهار بتاريخ 22/08/2014 تحت عنوان " أنقذوا التصدير لإنقاذ الإقتصاد". لم أصدّق للوهلة الأولى بأنّ السيد فادي عبود الذي تربّع على كرسي جمعيّة الصناعيّين لسنوات عديدة وكان على تواصُل دائم مع الصناعيّين يتعرّف على معاناتهم هو الذي إستنتجَ في مقاله على أنّ "التصدير اليوم هو بمثابة الرّئة التي يتنفّس منها الإقتصاد اللبناني. التصدير مقاومة، التصدير مقدّس، التصدير مرتبط بوجودِنا ويحق للمُصدِّر ما لا يحق لغيره" وإستنتجَ أيضاً أنّ "الأمل الوحيد لتحقيق أي نمو إقتصادي لا يتحقق ... إلاّ بالاتكال على الصادرات الزراعية والصناعية". هذا كلام كبير لا يمكن وصفُهُ إلاّ أنّه "من فوق الأساطيح" يفتقد الى الواقعيّة والعلم والمعرفة الحقة بوضع لبنان الإقتصادي ومُعاناتهِ.

إنّ ما يُطالب به السيد فادي عبود ببساطة تامة هو دعم الدولة لتكاليف التصدير حتى تصبح أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق الخارجيّة. وهو الوزير السّابق الذي يعلم عِلم اليقين بأنّ الدولة مُفلِسة غير قادرة عن القيام بواجباتها المستحقة وبأنّ دَينها يزيد سنة بعد سنة حتى شارفَ الـ 65 مليار دولار وهي الآن على شفير الإفلاس خاصةً إذا عجزت عن دفع خدمة الدّين للبنوك، أوعجزت عن الإستدانة فوق الإستدانة لِتمويل ما لا يُمكن تأجيلُهُ. كان حَرِيٌّ بالسيد عبود، لمّا كنتُ ألفت إنتباهَهُ دائماً لمّا كان رئيساً لجمعيّة الصناعيين، بأن ينظر بدقّة الى ميزان لبنان التجاري ويُشاهد الهُوّة الكبيرة في عجزها الذي وصلَ عام 2013 الى 17 مليار دولار. فقيمة وارداتُنا فاقت الـ 21 ملياراً بينما تراجعت صادراتُنا الى 4 مليارات وهي في تراجُع مُستمِر. فأيُهُما أسهل زيادة الصادرات أم تخفيض الواردات.

فالأولى، كما يُطالب، تحتاج الى دعم الدولة المُباشر. بينما الواردات يُمكن تقليصها بوضع رسوم جمركيّة مدروسة على منتجات تُنتَج أو يُمكن أن تُنتَج في لبنان. هذا الإجراء وحده سيُحفِّز المُستثمرين على الإستثمار وإنتاج سلع تحل محل المستورد المدعوم من بلدانه وبذلك ينافس المُنتج اللبناني منافسة غير متكافئة. إنّ إجراء الحماية الجمركيّة لا يحتاج من الدولة إلاّ التشريع الوحيد وهو رفع الرّسوم الجمركيّة على سلع بعينِها. وسوق إنتاج السّلع التي سيتمّ إنتاجها في لبنان هو السوق اللبناني ذاته دون حاجة الى دعم أو إتفاقات مع دول أخرى. قد يقول لي بأنّ رفع الرّسوم الجمركيّة في ظل توقيع لبنان لإتفاقيات تبادل تجاري حرّ وإتفاقيّة المنطقة العربيّة الحرّة وإتفاقيّة اليورو متوسطيّة وإستعداد لبنان للإنضمام لمنظمة التجارة العالميّة كلّها معوقات لا تسمح للبنان بهكذا إجراء.

وعليه أُجيب بأنّ مصلحة المواطن اللّبناني أي مواطن لبناني وفي مُقدِّمتهم المنتجون اللبنانيّون من صناعيّين أو مزارعين تأتي أولاً وقبل أي إتفاق. فحينما لا يجد المُستثمر مجالاً لجدوى إستثماره فكيف له أن يستثمر. وعندما يقوم بذلك لِغرض التصدير وليس لإكفاء السوق المحليّة يتطلّب ذلك دعماً حكومياً مباشراً كما يطالب السيد عبود. الصين وتركيا ومصر على سبيل المثال هم دول أعضاء بمنظمة التجارة العالميّة وهم يدعمون كل صادراتهم دعماً مباشراً يتراوح بين 9 و 16 % بينما إتفاقيات المنظمة تُحرِّم عليهم هذا الإجراء. الولايات المتحدة الأميركيّة والإتحاد الأوروبي رفضوا ومنذ عشرين سنة توقيع إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ للمنتجات الزراعيّة والغذائيّة وذهبوا بعيداً في دعم المزارعين بأموال فاقت 200 مليار دولار في الولايات المتحدة و 55 مليار يورو في الإتحاد الأوروبي في السنة بحجّة المحافظة على الزراعة المحلّيّة والمزارعين بأرضهم. والأمثلة كثيرة لا تُحصى عن مخالفات الدول الصناعية لإتفاقيات منظمة التجارة العالمية عندما تشعر أنّ أحد صناعاتِها أو زراعاتها مُهدّد من دول أخرى مصدّرة عن طريق وضع رسوم جمركيّة مفاجئة أو عن طريق وضع مواصفات قياسيّة مُغالاً فيها.

وبناءً عليه على لبنان أن يعيد النظر بكل الإتفاقيات الإقتصادية الموقعة مع الدول أو المنظمات الأخرى دون تردّد ويتوقف عن مفاوضة منظمة التجارة العالمية للإنضمام إليها. على لبنان أن يركّز على تحفيز الإستثمار في الإنتاج المحلّي ليَحل محل المستورد وذلك عن طريق وضع رسوم جمركيّة مرتفعة. هكذا وهكذا فقط يتمّ التوسّع في التصنيع والزراعة وفي إستيعاب الشباب وخلق فرص العمل لهم والتخفيف من هجرة الكفاءات والرساميل. كلفة الإنتاج في لبنان مرتفعة لأسباب لا تُعَدّ ولا تُحصى.

وعليه فإنّ قدرة الإنتاج الوطني للمنافسة في أسواق التصدير غير مُتوفِّرة. من هنا رأينا كيف إستنتجَ السيد عبّود بأنّ التصدير يحتاج الى دعم الدولة. لكن أن يذهب بعيداً في القول بأنّ التصدير هو المُنقِذ فهذا أمرٌ خاطئٌ جداً. لقد سئمنا الإنتظار منذ 1992 ونحن نراقب نتائج سياسة الإنفتاح الإنفلاشيّة المُعتمدة التي لم تجلب إلاّ إنحسار الإنتاج المحلّي وخسارة أسواق التصدير وزيادة الواردات وهجرة الكفاءات والرّساميل وبالتالي إنهيار الإقتصاد.

Add your comment Here

Your email address will not be published.