Blog-Image

مسلسل المؤامرة على لبنان

April 26, 2023 Musa Freiji Articles

مؤامرة كبرى مُحكمة بدقّة بدأت منذ العام 1975 إشتركت فيها دول عربية وأوروبيّة وإسرائيل والولايات المتّحدة الأميركية للقضاء على النمو الذي يحصل في لبنان منذ الإستقلال، قِوامها:

1- الحرب الأهليّة

تمّ إغراء حزب الكتائب ليتزعّم حركة إنهاء المقاومة الفلسطينيّة في العام 1975،وهو الفتيل الذي جرّ الفئات الطائفيّة المختلفة للإنغماس في الإقتتال الذي دام حتّى العام 1990 وأتى على البشر والحجر،مكرسًاالإنقسام المسيحي الإسلامي وبالتالي تفكيك البنية الصلبة التي كان قد وصل إليها إقتصاديًا وسياحيًا ومصرفيًا وتقدّمًا زراعيًا وصناعيًا.

2- إتفاق الطائف

جرّ لبنان الى وقف القتال بعد التدميرنتج عنه إتفاق الطائف وتعديل الدستور وإلغاء معظم صلاحيات رئيس الجمهوريّة وحصرها في مجلس الوزراء مجتمعًا مع الإبقاء على المحاصصات الطائفيّة.

3- الرئيس المفسد

فرض رئيساً لمجلس الوزراء على لبنان كرّس زعامته، بالتعاون مع الجيش السوري الذي أوكله مؤتمر الطائف لفرض وقف الإقتتال، بشراء الضمائر وتعيين المستتبعين بحجة أنّه القادر ماليًا على إغراء زعماء الطوائف والأحزاب ماديًا ومناصبيًا وبحجة أنه الأكثر قدرة على إعادة إعمار المدمَّر من البُنى التحتيّة. لكنّه كان باستغلال هذا المال يكرّس الفساد على كافة الصُعد ويمكّن الفاسدين من القبض على مفاصل الدولة من وزراء، ومجالس مختلفة يتحكم بقراراتها بعيدًا على الوزارات المعنيّة، ومقاولين محدّدين لتنفيذ المشاريع العمرانية المختلفة، وقضاة وخاصة الرؤساء النافذين منهم في تحجيم دور أي قاضٍ مستقل صاحب ضمير.

4- دور البنوك

بعد أن عُمِّم الفساد والمحسوبيّات جاء دور المؤامرة الكبرى القاضية بإغراء البنوك لإقراض الدولة من أجل تمويل مصاريفها المُغالى بها بسبب الفساد بفوائد مرتفعة وصلت إلى 25% سنويًا. إنصاعت البنوك لطلب البنك المركزي المكلّف بتنفيذ المؤامرة وعن استعداده لدفع فوائد عالية تفوق العشرة بالمايةلكل من يرغب. إنهمرتالأموال من غالبية المغتربين، وخاصة الذين ما زالوا على اتصال باقربائهم، ومن مواطنين سوريين وعرب آخرين تلبيةً لهذا الإغراء الذي تصعب مقاومته. إستمر الوضع على هذا الحال طالما أن المبالغ التي تحصل عليها البنوك يتم تحويلها بفائدة أكبر لمصرف لبنان المركزي ويتم قبض الفائدة المترتبة للبنوك تباعًا دون تأخير. يُعرف هذا الإجراء عالميًا بـPonzi Scheme وهو اجراء نتيجته الإفلاس المحتّم. وهذا هو الذي حصل. فالأموال التي حصل عليها البنك المركزي موّل بها طلبات مجالس الوزراء والوزارات والمجالس الخاصّة وكهرباء لبنان والمحسوبيات والسرقات والسمسرات وغيرها الكثير دون تحصيل مقابل لهذه المصروفات من الرسوم والضرائب. الجريمة الكبرى كانت أن ترأس هذا الإجراء الجهنمي حاكم مصرف لبنان متلطياً بحجة أنه ينفّذ تعليمات وطلبات مجلس الوزراء ويؤمن المبالغ الكبرى ومعظمها تُدفع للفاسدين النافذين الذين أحكموا قبضتهم على الجيش والقوى الأمنيّة كي يقوم بمهمة إجهاض أي حركة مطلبيّة من المُطالبين بأموالهم المودعة في البنوك. تلك الأموال التي ذابت في السرقات من قبل أركان الدولة الفاسدين ومحاسبيهم وزعرانهم الفاسدين أيضًا.

5- غياب الإستثمار

الجزء الأمكر من المؤامرة تمثّل في عدم تحفيز أصحاب الرساميل للإستثمار في قطاعات إنتاجية أو خدماتية. نتج عن ذلك بطالة كبيرة. كما نتج عنها هجرة ما لا يقل عن 25 ألف متخرّج جامعي سنويًا بسبب ضآلة فرص العمل في لبنان. اذًا، إنها مؤامرة لتفريغ لبنان من طاقاته البشرية المتعلّمة الصاعدة، وبالتالي إبقائه بلدًا ريعيًا يعتمد على استيراد كل ما يحتاج اليه وخاصة قوتُه اليومي. وبهذا التدبير يصبح لبنان خاليًا من شبابه وتحت رحمة الدول المصدّرة لقوته اليومي.

6- إتفاقيّات التبادل التجاري

لم يكتفِ المتآمرون على منع لبنان من التصنيع والزراعة بل ألزموا الحكومات المتعاقبة بين 1992 وحتى 2005 بتوقيع اتفاقيات تبادل تجارة حرّة والدخول بمنظمة التجارة العالميّة وتخفيض معدّل الجمارك على المستوردات الى ما دون الـ 5% والى إبقاء تحصيل هذه الرسوم بالليرة اللبنانيّة وبقيمة 1,500 ل.ل. للدولار الجمركي، الأمر الذي أحدث عجزًا ضخمًا في ميزانيّة الدولة وبالتالي اضطرّها للإستمرار في الإستدانة واستخدام أموال المودعين عالمةً عِلم اليقين أنها لن تستطيع سدّ هذا الدَّين للبنك المركزي وبالتالي للمصارف ومنها للمودعين.

7- النازحون السوريون

إمعانًا في تدمير لبنان إقتصاديًا، إستغلّت الولايات المتّحدة والمجموعة الأوروبيّة وجود النازحين السوريين الذين فرّوا من الحرب الأهليّة، هذه التي حاكوها على سوريا. وألزمت الأمم المتّحدة على تمويل بقائهم في لبنان، بالرغم من قرارات العفو التي صدرت عن السلطات السوريّة كي يعودوا إلى بلداتهم سالمين ويساهموا في إعادة إعمار سوريا. نتج عن إبقاء هؤلاء النازحين أن تكبّد لبنان خسارة فاقت الـ 25 مليار دولار حتّى الآن. كلّ ذلك إمعانًا بإذلال وإفقار لبنان.

8- لجوء البنك المركزي لطبع العملات الوطنية دون تغطية

نضبت الأموال المتوفرة للدولة وارتفع الطلب على الدولار ولجأ البنك المركزي لطبع العملات الوطنيّة دون تغطية، فانهارت قيمتها أمام الدولار. ولما كان الدولار هو العملة الأكثر استخدامًا في استيراد سنوي وصل الى عشرين مليار دولار، تفاقم الطلب عليه وتفاقم معه تراجع قيمة الليرة اللبنانية وخسرت حتى وقت قريب 65 مرة مقارنة بقيمتها عشية انتفاضة 17/10/2019. نتج عن ذلك تضخم كبير جعل موظفي القطاع العام غير قادرين على سد كلفة إحتياجاتهم الضرورية جدًا كالمأكل والدواء والطبابة وأقساط المدارس وغيرها من راتبهم الضئيل. لجأوا إلى الإضراب وعدم الحضور الى مكاتبهم وبالتالي عطّلوا على المواطنين تسيير معاملاتهم المختلفة. لجأ القضاة لذات الممارسة فتعطّل القضاء كليًا وتعطّلت معه مصالح المواطنين المهدورة. وهكذا انهارت الدولة كما تمّ التخطيط لها منذ الإجراءات الأولى.

9- دور المغتربين

استطاع المواطنون الصمود بالحدّ الأدنى بسبب الإعانات التي تأتيهم من أبنائهم وذويهم في الإغتراب. لكن القطاع الخاص، المنتج صناعيًا أو زراعيًا، وبسبب ارتفاع أسعار المواد المستوردة، استطاع أن يرتّب وضعه بزيادة رواتب موظفيه كي تتوازى مع مصروفهم الضروري. لكن الدولة ما زالت مستمرة في غيّها غير قادرة على رفع رواتب موظفيها وبالتالي مستمرة في تعطيل وجودها وتعطيل مصالح المواطنين معها. رفضت اللجوء إلى الإنعتاق من اتفاقيات التبادل التجاري الحر ورفضت رفع الرسوم الجمركيّة على الكماليات المستوردة وعلى كل ما ينتج أو يمكن إنتاجه في لبنان بدلًا من استيراده بالعملة الصعبة. كلّ ذلك تنفيذًا للمؤامرة المستمرّة منذ 1975 حتّى يومنا هذا والهادفة إلى إبقاء لبنان بلداً ريعيًا بامتياز وتفريغه من كفاءاته الشابّة التي هي مستقبله.

10- منع الهبات

فرضت الحكومة الأميركيّة عقوبات على إيران وعلى روسيا فحرمت لبنان من الهبة الإيرانيّة للمحروقات والهبة الروسيّة للقمح إمعانًا في إذلال شعبه. كما أنها هدّدت الطبقة الحاكمة بحرمان لبنان من إستخدام نظام الـ SWIFT لتأمين مستورداته إن هو حاول التعامل مع الصين أو إيران من أجل تمويل مشاريع عمرانية. فبالرغم من كلّ ذلك إنصاعت الحكومة اللبنانيّة للإملاءات الأميركيّة، فعمل رؤساؤها ووزراؤها والقضاء والجيش والقوى الأمنيّة على إذلال الشعب اللبناني.

11- الدور الرئيسي لإسرائيل في المؤامرة الكبرى على لبنان

لن يفوتني ذكر دور إسرائيل في المؤامرة الكبرى على لبنان. فهي المؤثرة على قرارات الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبيّة حياله. وهي التي غزت لبنان بضوء أخضر من الولايات المتّحدة واحتلّت جنوبه وعبثَت بالممتلكات واحتفظت بجزء من أراضيه. وهنا لا بدّ من إبداء التقدير والشكر للمقاومة الباسلة التي أخرجته عام 2000، وتصدّت لغزوته وأرغمته على التراجع في العام 2006، ومنعته من إعادة الكرّة في الغزووالإحتلال والسطو على مياهه وأراضيه. وما زالت إسرائيل منغمسة هي والولايات المتحدة وبعض الدول العربية في تمويل الإرهاب في سوريا على مدى 12 سنة وما زالت، خططت لإرسال هؤلاء الإرهابيّين الى لبنان للعبث فيه. لكن المقاومة الباسلة تصدّت للإرهابيّين في سفوح سلسلة جباله الشرقيّة فقتلت من قتلت منهم وأرغمت الباقي للتراجع الى الحدود السورية ومنها الى إدلب. وإسرائيل هذه هي التي فجّرت مرفأ بيروت كي تزيد الطين بلّة وتحصل على غَضّ الطرف من الدول الأوروبيّة ومن الولايات المتّحدة لهذا العمل الإجرامي.

12- الجيش والقوى الأمنيّة

وكي تكتمل المؤامرة كان لا بدّ من توفير الحصانة للزعماء الفاسدين كي لا ينقلب الشعب المقهور عليهم. فكان أن تبرعّت الولايات المتحدة بتوفير دخل من خارج مصادر الدولة لأفراد الجيش والقوى الأمنيّة قاطبة كي يواصلوا ممارسة حضورهم وبالتالي قمع أي تحرّك من الشعب ضد حكامه الفاسدين الظالمين. وهنا لا بدّ من قيادة الجيش وقيادة القوى الأمنيّة أن يعوا هذه المؤامرة ويقاوموا المغريات التي حصلوا عليها ويساهموا في قلب الطاولة على الزعماء الفاسدين ويكونوا القوى التي تخلّص لبنان من طُغاته، لا أن تحميهم من غضب الشعب المقهور.

Add your comment Here

Your email address will not be published.