Blog-Image

موقع القطاعات الإنتاجية في نهوض لبنان نحو دولة الإنماء

October 12, 2016 Musa Freiji Articles

كان لي شرف حضور حفل إطلاق كتاب "نهوض لبنان" في السراي الكبير في 5/10 والحصول على نسخة منه ومن ثمّ قراءة العديد من فصوله. لا شك أنّ المشاركين في كتابة الفصول هم من خيرة خبراء لبنان في الإقتصاد والإنماء والعلوم والسياسة وأنّ أبحاثهم وخُلاصاتهم تستحق المتابعة من قِبل المجلس الإقتصادي الإجتماعي عن طريق إحياء ندوات لمناقشة كل موضوع على حده مع الفاعلين في القطاعات المختلفة والمسؤولين في الوزارات لعلّ في ذلك ما يُفضي إلى تبنّي توصيات وإتخاذ قرارات وإصدار مراسيم وقوانين تنقل لبنان من وضعه الحالي المتردّي إلى لبنان المستقر الذي يطوق إليه كل مواطن.

لفتني بشكلٍ خاص معالجة أوضاع القطاعات الإنتاجية، الصناعية منها والزراعية والتي يشكل العاملون فيها والمعتاشون منها غالبية سكان لبنان. فقد غابت نظرية حماية الإنتاج الوطني من المنافسة الخارجية غياباً كاملاً دون أن يحلّ محلّها أي توصية أو إستنتاج يحفّز الإستثمار ويخلق فرص عمل فيها سوى مطالبة الدولة بالمساندة وإحياء برامج التحسين، الأمر الذي مازلنا ننتظره منذ إستقلال لبنان دون جدوى.

فعبثاً حاولنا ونحاول رفع مستوى الإنتاج الوطني والإستثمار في القطاعات الإنتاجية بظل منافسة شرسة من المستوردات المدعومة إنتاجها وصادراتها من بلدان صناعية متقدّمة كدول أوروبا والولايات المتحدة والصين وتركيا وغيرها. والدليل الذي ورد في إحصاءات الكتاب هو العجز التجاري المتفاقم سنةً بعد سنة وتراجُع مستوى التصدير وزيادة البطالة وهجرة الرساميل والكفاءات.

كيف يمكن تحسين النوعية وتخفيف كلفة الإنتاج في القطاعات الإنتاجية دون المرور بمراحل الخبرة المتراكمة على مرّ السنين وبظل المنافسة الداخلية التي هي الضامن للحؤول دون إستغلال للحماية الجمركية.

إذا أُريدَ لِلبنان أن ينتقل من فئة الدول دون النامية إلى دولة نامية ثمّ متطورة ثمّ صناعية فلا بدّ من تحفيز قطاعاته الإنتاجية وإلاّ سيبقى دولةً تأكل ممّا لا تزرع وتلبس ممّا لا تصنع وتُصدِّر خيرة شبابها للعمل والنهوض بإقتصاد الدول الأخرى.

لم يأتِ الكتاب على ذِكر الإحتكارات والإمتيازات القائمة في لبنان في مجالات محدّدة، منها إنتاج الإسمنت والكابلات الكهربائية وشركة طيران الشرق الأوسط، ناهيكم عن أرباح المصارف التجارية على حساب الدَّين العام المتراكم، مع أنّه للإنصاف أتى على ذِكر مساوئ الوكالات الحصرية.

إنّ أسوأ ما تضمنّه الكتاب حول القطاعات الإنتاجية هو ما ورد في خاتمته حول "إعادة بناء الصناعة والزراعة" تأكيد على ضرورة ضمان تطبيق الإتفاقات التجارية القائمة وزيادة عددها وتوفير الدعم من خلال الحوافز ومقاومة دعوات زيادة الحماية وتسريع إجراءات الإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

إنّ هكذا إستنتاج للنهوض بالقطاعات الإنتاجية اللبنانية إنّما يستهدف تحسين قدرة لبنان لزيادة صادراته. حبذا لو كان ذلك ممكناً. لكنّ المستنتِج غاب عن تحليله سبب تراجُع الصادرات وزيادة الواردات وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري.

إنّ السبب يعود إلى كلفة الإنتاج المرتفعة في لبنان لأسباب يعرفها الجميع وليس لغياب المهارات أو القدرات العملانية أو التردُّد في الإستثمار بل هرباً من المنافسة الشرِسة من منتجات مستوردة من دول كلفتها أقل لأسباب تدنّي كلفة الطاقة والعمالة والدعم المباشر ودعم التصدير الأمر غير المتوفر في لبنان. وإذا أُريدَ من التوصية للإستثمار بالإنفتاح والسّير بالعَولمة الى آخر المطاف، فإنّ مطالبة القطاع الخاص بالسير في العمل بالقطاعات الإنتاجية إنّما هو ضرب من الخيال بدليل فشل هذه السياسة طيلة ربع قرن من إعتمادها.

هذا ناهيكُم عن عدم قدرة الدولة على تحقيق أي من التوصيات المطلوبة منها، من دعم لِمنتجات ذات قيمة مُضافة عالية (ولا ندري ما هي؟) أو تبسيط البيروقراطيّة الإدارية أو إستقرار البيئة المالية وغيرها. فإنّ الإعتماد على الدولة في أي من هذه الأمنيات هو ملهاة للإبقاء على سياسة خنق القطاعات الإنتاجية اللبنانية ودعم للإستيراد والإبقاء على حالة التخلُّف. أي أنها دعوة خبيثة تخدم المصدّرين والعدو على حدّ سواء.

كلُّ قائلٍ بأنّ الحماية الجمركية ستؤدي إلى رفع سعر المنتجات المَحميّة هو قولٌ باطل لأنّ زيادة سعر أي منتج مستورد هي دائماً مبرّرة لهؤلاء بحجة زيادة سعرها عالمياً؛ أما إذا جاء رفع السعر جزئياً لتحفيز الإستثمار وخلق فرص العمل فهو عملٌ باطل. يجب ألاّ يُخفى على أحد بأنّ الغلاء أو الرخص هو مؤشر نسبي وليس مطلق. إنه نسبة لدخل الفرد.

فما معنى المنتج الرخيص لمن ليس لديه فرصة عمل أو أنّ دخله متدنٍ جداً.

كفانا التلطي خلف العولَمة التي قادتنا إلى التراجع منذ إعتمادها في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي. فلو كان مفعولها إيجابياً طيلة ربع قرن لبانَت النتائج الإقتصادية منذ سنوات. لكنها أتت بإقفال صناعات عديدة وتراجُع في إنتاج غذائنا حتى بِتنا نستورد 85% من طعامنا.

لقد آن الآوان أن نغيّر من سياسة التعاطي مع القطاعات الإنتاجية بوضعِها تُنافس المستوردات وتتراجع أمامها للأسباب التي ذكرنا، إلى سياسة حمايتها حمايةً جمركية فاعلة تحفّز المستثمرين للإستثمار في المجالات المحميّة. لا يترتّب على الدولة في هذا الشأن إلاّ التشريع الملائم دون أي مطلب آخر منها.حينها سوف نرى اللبنانيون الناجحون في عالم الإغتراب يتوافدون إلى لبنان حامِلين معهم مدخراتهم وخبراتهم كي يستثمروا في المجالات المحميّة كي ينتجوا فيه ويبيعوا منتجاتهم في الأسواق اللبنانية التي تعتمد أصلاً على المستورَد منها دون الحاجة إلى طَرق أبواب التصدير ومواجهة المواصفات المُغالى بها والعراقيل التي لا حدود لها.

هكذا وهكذا فقط يمكننا تحفيز الإستثمار في القطاعات الإنتاجية وتخفيف العجز بالميزان التجاري وإستيعاب آلاف الكفاءات المهاجرة والحدّ من البطالة.

Add your comment Here

Your email address will not be published.